شهدت الديبلوماسية السورية أسبوعاً مثيراً للدوار. فعشية مؤتمر أنابوليس بدت دمشق المستفيدة الأساسية من المسعى الرامي الى انجاح المؤتمر فادارة بوش كانت تلاحقها واستأثرت سوريا باهتمام وسائل الاعلام العالمي. ولكن يوم انعقاد المؤتمر بدا كما لو أن سوريا قد عادت الى دورها السابق الذي سبق وقامت به لدى الاحتفال بالتوقيع على اتفاق أوسلو عام 1933 حيث وقفت موقف المتفرج أمام مشهد احتل فيه الفلسطينيون المنصة الاساسية. ورغم ذلك الحصيلة السياسية المطلوبة بعد انابوليس هي ضرورة تشجيع الاستراتيجية التي تبقي

سوريا ضمن اطار المساعي الديبلوماسية.

برزت الدلائل على التغير في موقف واشنطن من سوريا بشار الأسد قبل أسابيع قليلة. فقبل أشهر عدة كانت الولايات المتحدة مع الاستراتيجية الرامية الى عزل سوريا ونزع الشرعية عن نظام بشار الأسد. واوضحت ادارة جورج بوش الى أولمرت عدم رضاها على محاولات معاودة المفاوضات مع سوريا والكلام العلني عن الموضوع. وكانت الرسالة الى القدس: لا تضعوا العصي في دواليب المسعى الأميركي لعزل النظام المؤيد للإرهاب والمتحالف مع طهران والذي يقمع لبنان ويساعد المتمردين المعادين للأميركيين في العراق.

وما قيل لرئيس الحكومة الاسرائيلية في الغرف المغلقة سمعناه علناً وبغضب عندما قامت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة لدمشق بدت موجهة ضد بوش. ولكن قبل بضعة أسابيع وفي اطار المساعي الرامية الى انجاح مؤتمر أنابوليس بدأت وزيرة الخارجية الأميركية بالكلام على تسوية "شاملة" بدلا من التسوية الاسرائيلية - الفلسطينية المنفردة. وكان هذا اشارة واضحة لدمشق أنها قادرة ضمن شروط معينة على ان تنضم الى الخريطة الديبلوماسية لإدارة بوش.

هناك أسباب عدة وراء التغير في موقف الادارة الاميركية من سوريا. اولها الرغبة في تأمين نجاح انابوليس. فليس هناك أفضل من ضمان عدم عرقلة سوريا للمؤتمر غير مشاركتها به. وهكذا دخل الموضوع العراقي ( فلقد اشار الناطقون الأميركيون الى تراجع تسلل المسلحين الى العراق من طريق سوريا) مع الموضوع اللبناني (مغادرة الرئيس إميل لحود منصبه من دون ان يتسبب بأزمة كان الجميع يتخوف منها)، ناهيك بتأييد جزء من الحكومة الاسرائيلية والمؤسسة الأمنية الاسرائيلية معاودة الحوار مع سوريا. ومن المفارقات ان الغارة التي وقعت في الثالث من ايلول ساهمت في اعادة سوريا الى حجمها الطبيعي وساعدت المسعى الأميركي.

لقد أدركت دمشق أن خلاصها من الوضع الحالي وخروجها من محور الشر ومعاودة الحوار مع واشنطن سيثمر نتائج ديبلوماسية. وكان عليها ان تبتلع الحبة المرة ومساعدة الفلسطينيين على دعم الموقف الفلسطيني في العملية السلمية الجديدة...

التجاوب مع المبادرة الأميركية يتطلب من سوريا الابتعاد عن حليفتها ايران، والاحتكاك مع "حزب الله" ومنظمات الارهاب الفلسطينية. لكن الاسد قرر دفع الثمن.

كما أثرت المشاركة العربية الكثيفة في المؤتمر على القرار السوري. اذ يتعرض نظام الأسد الى نقد داخلي وخارجي لتحالفه مع ايران التي ترى فيها غالبية الدول العربية تهديداً. والوقوف الى جانب ايران ضد الاجماع العربي في انابوليس كان سيبدو أمراً محرجاً. حاولت دمشق التخفيف من الضرر عبر مناورات تكتيكية: تمثيل منخفض المستوى في انابوليس وحملة اعلامية للتقليل من أهمية المؤتمر.

في اليوم التالي للمؤتمر التقى الرئيس بوش وأولمرت للبحث في التحدي النووي الايراني ولتنسيق المواقف من سوريا. واليوم ومع قبول الولايات المتحدة سوريا كشريك شرعي في المفاوضات ماذا سيكون عليه الموقف الاسرائيلي؟

على ما يبدو النزاع مع سوريا أبسط بكثير من حل النزاع مع الفلسطينيين.فهو نزاع على الأرض مع دولة طبيعية لديها قيادة ثابتة. في المقابل النزاع مع الفلسطينيين يتمحور حول مشكلة قومية مع عدم وجود دولة لدى الطرف الثاني وانما هناك أمة منقسمة حول صلاحيات زعاماتها.

يشكل التوقيع على اتفاق مع سوريا اغراء كبيراً لأنه يؤدي الى ازالة خطر الحرب وحل المشكلة اللبنانية في وقت واحد. واول اتفاق مع السوريين سيمنح اسرائيل دفعاً مهماً في المفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن كل رئيس حكومة في اسرائيل يعرف جيداً أن ما حاول مناحيم بيغن أن يحققه في "كمب ديفيد"، اي الاتفاق مع مصر بهدف تحجيم المشكلة الفلسطينية او حشرها في الزاوية هو جهد لا طائل تحته. حتى بعد التوقيع على اتفاق مع دمشق ستبقى المشكلة الفلسطينية موجودة.

اضيفت الى هذا التقدير في المدة الأخيرة اعتبارات مهمة: الرغبة في ابعاد سوريا عن ايران، وعدم الوضوح حول شخص الاسد. فبعد مرور سبعة أعوام على صعود بشار الاسد الى السلطة ما زال زعيم سوريا شخصية غامضة. ورغم عدم الوضوح من المعروف عنه انه قادر على اتخاذ قرارات غير مسؤولة.

المطلوب هو المجيء بالأسد الى مسار المفاوضات الذي يتطلب ضبطاً للنفس وعدم حشره في الزاوية. وماذا عن علاقاته بايران؟ هل هو قادر على قطع علاقته معها في حال حصل على الثمن بتسوية مع اسرائيل والولايات

المتحدة أم انه سيظل يمسك بالخطين معاً؟

الاجابة عن هذين السؤالين تكمن في الحوار مع سوريا. والاستراتيجية المطلوبة هي ايجاد غطاء ديبلوماسي يسمح لإسرائيل البدء بحوار بعيد عن الأضواء معها، الى جانب الاستمرار في العملية على المسار الفلسطيني. في حال كانت الاجابات الناتجة عن المفاوضات البعيدة عن الأضواء مع سوريا مرضية نستطيع الانتقال الى المفاوضات العلنية. مما سيزيد من قدرة اسرائيل على المناورة في السعي الى اتفاق مع الفلسطينيين خلال سنة.

إنها عملية صعبة نتائجها غير واضحة. ويكفي النقاش حول حق العودة مع رئيس السلطة الفلسطينية الذي لا يسيطر على غزة كي ندرك ذلك. لذا من الأفضل ان تحتفظ اسرائيل الى جانب المسعى بشيء من الخيط المتصل بالخيار السوري.

ترجمة رنده حيدر عن العبرية

*(سفير اسرائيل السابق في واشنطن، شارك في المفاوضات التي جرت سابقاً مع سوريا)

مصادر
النهار (لبنان)