عمليا فإن قامت فإن جهاز مكافحة التجسس قام باعتقال (غيوم داسكيه ) وتفتيش شقته. ثم اطلاق سراحه ووضع قيد التحقيق لحيازته وثائق ذات سرية دفاعية ولكشفه عن ملفات أو معلومات ذات تخص الأمن القومي الفرنسي.

وحسب "داسكيه" فإن هذه الاجراءات تسعى وراء بعض المواد التي تتناول هجمات 11 أيلول وقضية "بوريل". وباعتقاد بعض المراقبين للقضية فإن إطلاق سراح "داسكيه" كان ابضا له مايبرره، حيث خشيت الأجهزة الأمنية الفرنسية أن يسرب "داسكيه" للصحافة اسم المصدر في الاستخبارات العسكرية الخارجية الذي زوده بالوثائق. فهذا "المصدر" يخضع اليوم لاستجواب أيضا. رغم ذلك وباجماع عام من وسائل الاعلام الفرنسية تم تقديم شكوى بسبب هذا الاعتقال الذي اعتبر اعتداء على حرية الصحافة.

في الواقع، فإن "غيوم داسكيه" ليس صحفيا فقط ، فهو إما عميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية أو للموساد. كان استجوابه خطوة من قبل الديغولية ميشيل آيو ماري التي كانت وزيرة للدفاع في عهد شيراك وتتولى اليوم حقيبة الداخلية. وهذا الاستجواب يصب في اطار الحرب السرية بين الديغوليين والاطلسيين (من يملكون اتصالات مباشرة مع حلف شمال الأطلسي).

بعد مداهمة شقة "داسكيه" عثر المحققون على نسخ ملخصات لوثائق الاستخبارات الفرنسية التي تعود لفترة عام كامل، وهذه المجموعة من الثائق على درجة عالية من الاهمية، فهي تحوي معلومات تخص مديري جهاز الاستخبارات الفرنسي.

في بداية عام 1999 ، أصبح "داسكيه" رئيس تحرير مجلة استخبارات سرية ( انتلجانس أون لاين ) التي استقال منها في منتصف 2003 بعد أن اشترتها مجموعة( لوموند). وفي تشرين الثاني من عام 2001 نشر "داسكيه" مع جان شارل بيسار تقريرا تم تحريره وفق شكلين: الأول على شكل رواية موجهة لصانعي القرار، والثانية كتابا للجمهور نشرت تحت عنوان (بن لادن، الحقيقة الممنوعة) . والفكرة الرئيسية من هذا الكتاب هي أن هجمات 11 أيلول كانت من انجاز "الاسلام الوهابي" ، نفذها بن لادن ومولها بعض أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية التي "ترعى الأماكن المقدسة الإسلامية". وترسخ هذه الرواية فكرة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي أظهرها في تصريحاته بعد الهجمات مباشرة وتحدثت عن "الحروب الصليبية، وأكثر من ذلك ترسخ ( صراع الحضارات ).

إن جان شارل بيسار الذي عمل مع "داسكيه" على ابتداع هذه "الرواية الخيالية"، هو أحد أقرباء شارل باسكوا (ضابط شرف في الموساد ومستشار سياسي لنيكولا ساركوزي)، وبيسار كتب السيرة الذاتية لـ"باسكوا".

رواية الصحفيين "داسكيه" و "بيسار" الخاصة بقادة الرأي تم تعميمها بالتعاون مع مسؤولين على درجة عالية من الأهمية في حلف شمال الأطلسي ومن صناع القرار السياسي. وأرفق بها تقرير الجمعية الوطنية حول تبييض الأموال للنائب أرنو مونتبورغ (وهو تلميذ قديم لجون نيغروبونتي) . عندما يثبت داسكية و بيسار الشخصية الخيالية للتهم ستتلف كل النسخ المطبوعة من هذا التقرير .

اما الرواية التي وجهت للجمهور فحققت نجاحا عالميا، ولعبت دورا" مركزيا في الحملة التي تقودها منظمة أيباك العالمية في الولايات المتحدة ضد المملكة العربية السعودية . وحصد "بيسار" نتائج سريعة لتعاونه مع "داسكيه" حيث أصبح موظفا في مكتب محاماة أمريكي ينظم شكوى مقدمة من قبل أسر ضحايا 11 أيلول ضد "النظام الملكي السعودي".

لكن فصول كتاب "داسكيه" و "بيسار" استمرت في التفاعل، حيث اعادت الصحفيه راشيل اهرينفيلد صياغة معظم المعلومات الخيالية في رواية (بن لادن، الحقيقة الممنوعة) في كتابها ( تمويل الشر ، كيف يمول الارهاب وكيف نوقف ذلك) الذي أصبح الكتاب المفضل لدى المحافظين الجدد، واعتبر المرجع لتبرير التشريعات الجديدة في الولايات المتحدة.

في عام 2006 ، اعترف داسكيه وبيسار بنشر معظم المعلومات المزيفة وقاموا بالتوقيع علنيا على اعتذار لعائلة بن محفوظ التي اتهموها في كتابهم بتمويل الارهاب. ومع ذلك، مازالت تعتبر هذه المعلومات بمثابة مرجع للكثير من المؤلفين بما فيهم الباحثين عن حقيقة هجمات 11 أيلول .

في عام 2002 ، نشر غيوم داسكيه بالتعاون مع الصحفي جان غوينزل مقالة نقدية تحت عنوان (الكذبة المرعبة). وكانت الفكرة الرئيسية لهذه المقالة بأن تيري ميسان كتب في كتابه (الخديعة الكبرى) بتأثير من موظف من الأمانة العامة للدفاع الوطني المناهض للتحالف الأمريكي. وبأن عمل ميسان لم يكن على درجة عالية من الجدية والأهمية ووحدها نظرية بوش عن هجمات 11 ايلول هي النظرية الحقيقية.

حصل كتاب داسكيه على دعم واسع من قبل الإعلام الفرنسي، حيث اعتبرته نهاية الجدال الضخم بين أوروبا والولايات المتحدة وبشكل يسمح لمنظمة حلف الشمال الأطلسي باستعادة تأييد الجمهور لاحتلال افغانستان والحرب على الارهاب .

وفي عام 2003 ، عين باسكال بونيفاس ( الذي كان سابقا" موظفا" لدى عائلة الحريري) داسكيه مديرا" للأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية وخصصت له الامارات المتحدة هبة بمبلغ مليون يورو.

وفي عام 2005 ، نشر غيّوم وحده هذه المرة كتابه ( القاعدة تنتصر). حيث طور في كتابه الجديد النظرية القائلة بأن ( القاعدة ) عبارة عن منظمة ذات هيكلية عسكرية يقودها السعوديين وتهدد الحضارة اليهودية – المسيحية .

وفي عام 2006 ،عين داسكيه مستشارا" للتلفزيون الفرنسي. كان يتغنى طوال فترة الحرب على لبنان بجيش الدفاع الاسرائيلي، معلنا كل يوم عن انتصارات جديدة للجيش الاسرائيلي على حزب الله "الارهابي" إلى أن حقت الحقيقة التي نعرفها جميعنا.

عن نشرة : سورية الغد