كل المؤشرات الصادرة عن مواقع القرار الرسمي الإسرائيلي، تشي بالخيارات اللاسلمية الإسرائيلية تجاه سوريا.

ولأول مرة بعد مرور سنوات طويلة، تعود إسرائيل لفحص الخيار العسكري الواسع كإمكانية واردة ضد سوريا، إن حرب لبنان وتداعياتها على الطرف الإسرائيلي، حرضت قطاعات من التجمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، على إعمال العقل قليلاً، والتفكير مجدداً بمآلات الحروب والكوارث التي قامت عليها الدولة العبرية الصهيونية.

فسماء المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ملبدة بالغيوم الكثيفة، وأصوات متناقضة تنبعث من داخل الدولة العبرية الصهيونية، حاملة معها سيلاً من الأسئلة المصيرية على خلفية ما حدث وما سيحدث، وعن الدور السوري في الصمود اللبناني ودعم حزب الله.

ومن الزاوية المقابلة، إن حرب لبنان، أعطت دفقاً متزايداً من التفاؤل والشعور بالثبات وإمكانية الصمود لدى الطرف السوري، فالسوريون كونوا فكرة جديدة عن الجيش الإسرائيلي، باعتباره جيشاً سميناً تحولت دباباته الثقيلة من طراز الميركافا التي عبرت لبنان إلى أكوام من الحطب المشتعل، فهو جيش قليل الحركة، ويمكن وصفه ب«العتيق» غير المتجدد، إلا في قوة ضرباته الجوية، التي إذا تحملوها لبعض الوقت فإن نتيجة الحرب ستكون على غير ما يتوقعها قادة إسرائيل.

وعليه، لم تأت الوثيقة الإسرائيلية الجديدة غير الرسمية التي وقعها العشرات من الأكاديميين والكتاب والضباط الإسرائيليين والتي آتت بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان بفترة قصيرة من الزمن، والتي يدعون فيها رئيس الحكومة أيهود أولمرت للشروع في مفاوضات مباشرة مع كل من سوريا والفلسطينيين بما فيهم حركة حماس من فراغ، ولم تأت كصاعقة في سماء صافية. فقد جاءت في مسار حراكات متواصلة لم تهدأ داخل الدولة العبرية، وبعد النتائج الإسرائيلية والحصاد المر من الحرب الأخيرة على لبنان.

فالوثيقة تؤشر في جانب منها على استحالة بقاء الجمود الستاتيكي مسيطراً على الناس والمجتمع اليهودي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فهو مجتمع ـ أو تجمع بشري يخضع بالضرورة لعوامل التغيير اليومية، خصوصاً وأنها عوامل تجر وراءها طبيعة الأشياء، فالخطأ التاريخي للسياسات العربية كان ومازال يكمن نسبياً في النظرة إلى التجمع اليهودي على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 باعتباره كتلة ستاتيكية مانعة جامعة من الأعلى إلى الأسفل، لا حراك بها، ولا تخضع لعوامل التغيير.

وما يعطي الوثيقة الإسرائيلية غير الرسمية المشار إليها أهمية، احتواؤها على أسماء هامة من فعاليات الدولة الإسرائيلية، كالحائز على جائزة نوبل العالمية البروفيسور اهرون شخنوفر، والكُتّاب: أ. يهوشع، عاموس عوز، ايلي عمير، يهوديت كتسير، يوكي براندس، والجنرالات ابراهام ادان، جنرال المخابرات العسكرية سابقاً شلومو غازيت، شلومو (تشيتش) لاهط، عاموس لبيدوت، العاد بيلد، فضلاً عن (47) بروفسوراً وأكاديمياً كبيراً، وكذا شخصية من رجال الأعمال.

إن الوثيقة الموقعة من بعض الفعاليات الإسرائيلية والداعية لفتح دائرة المفاوضات مع سوريا والنزول من هضبة الجولان، وتنفيذ خارطة الطريق على المسار الفلسطيني، لا تعني البتة المراهنة على عوامل التغيير الداخلي في إسرائيل، ولا تعني البتة بأننا أمام نقطة انعطاف جذرية في المجتمع الإسرائيلي، ولا يعني أبداً أن نجلس على مقاعد المتفرجين بانتظار عوامل التغيير الذاتي في إسرائيل.

فعوامل التغيير تحتاج بالضرورة إلى البيئة المناسبة والى شروط التغيير الناجمة عن الوسط العام، فكما أدت الانتفاضة والنضال الفلسطيني لتوليد تفاعلات هائلة داخل إسرائيل دفعتها للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن مواصلة الجهد العربي ومراكمة القوى تعدان العامل الأساس في توليد التفاعلات داخل إسرائيل.

بالرغم من الموقف الأميركي المنزاح نحو الرؤية الإسرائيلية، وسيل التحريضات الأخيرة التي غذى بها الرئيس جورج بوش الابن، نزعات المستوطنين والمتطرفين في إسرائيل الذين لا يريدون النزول من هضبة الجولان والانسحاب منها لقاء السلام مع سوريا.

ومع هذا، تعد العريضة إياها بادرة أولية لما يلوح، كمحاولة متجددة من حركات «الوسط واليسار السياسي الصهيوني» في إسرائيل، لتقديم بديل للجمود السياسي المسيطر في المنطقة بعد أن اصطدمت التسوية الإسرائيلية مع سوريا ومع الجانب الفلسطيني، بجدران الجنون الدموي الإسرائيلي المنفلت، وتطرف عتاة اليمين وجنوح الأقطاب القيادية ل«اليسار الصهيوني» نحو مواقع اليمين بشقيه العقائدي والتوراتي.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)