مليارات ، لا رقم غير المليارات لاستهلال النشرة الاقتصادية كل يوم ، على مسمع مواطن عربي يحلم بالفلس . مليارات لساركوزي ، تدفقت من الجزائر ، من ليبيا ، من قطر ، من الامارات وربما من السعودية ايضا ... ومن يدري فقد تتبعها الدول الفقيرة من مثل مصر والاردن.

مليارات لجورج بوش ، قرر هو من طرف واحد ان تسكب في خزينة ادارته ثمنا لبيع انظمة دفاع جوي لدول الخليج العربي . ويعلنها مع وصوله الى العربية السعودية.

واذا كانت الاخبار تثير تساؤلات مرة لدى السياسي ، فانها تثير اسئلة اشد مرارة لدى المواطن العادي.

السياسي يسأل : اهذه هي الخلاصة من كل التهويل والتلويح بالبعبع الايراني ، صفقات اسلحة بالمليارات تذكر بالسيناريو الذي كان يحدث ، حرفيا ، ايام عراق صدام حسين ؟ ولمن نسي ان يراجع ملف زيارات الطيب الذكر الوزير كوهين الى الخليج (وجمهوريون وديمقراطيون في اللعب سواء).

من جهة ثانية يسال السياسي ايضا : لماذا هذا السخاء المنقطع النظير على حكم ساركوزي ، الرجل الذي يعرف الجميع كيف صنعه اللوبي اليهودي ولوبي الامركة ، منذ خطوته الاولى وحتى الاليزيه. المرشح الذي مثل فوزه انتصارا لخط الامركة والاطلسة والاسرلة في فرنسا ، على خط الاستقلالية الاوروبية والتوازن فيما اعتبر نهاية لما سمي منذ شارل ديغول : سياسة فرنسا العربية ، ونهاية لما سمي محور موسكو - برلين - باريس في وجه الاحادية الاميركية ، بل وعقوبة على موقف فرنسا شيراك ، والمانيا شرودر من احتلال العراق؟

لماذا لم تؤخذ بعين الاعتبار صراحة ساركوزي في موقفه من اسرائيل التي وصفها بمعجزة القرن العشرين ، ومن الامركة التي استعمل لوصفها ، ولاول مرة في تاريخ فرنسا ، تعبير الاسرة الواحدة ؟ لماذا لم نشهد كرما مماثلا خلال حكم جاك شيراك ، وعلى الاخص حكومة دومينيك دوفيللوبان ، الرجل الذي عيّر بقربه من العرب ، واعتبر خطابه في مجلس الامن ضد العدوان على العراق ، خطيئته الكبرى التي لا غفران لها ، خطيئة جاء يعززها دوره ، عندما كان وزيرا للداخلية في فضح الاعتداءات التي استعملها اللوبي اليهودي لاتهام فرنسا باللاسامية ، وتلبيس تهمتها للعرب والسود : من حريق المركز الثقافي اليهودي صباح زايرة شالوم ، الى قضية المرأة ماري الشهيرة ، الى طعن الحاخام في احدى الضواحي ، الى مقتل احد الشبان في الضواحي ايضا . حيث كشفت الشرطة واعلنت - لاول مرة - في جميع وسائل الاعلام ، عن كونها تلفيقات دبرها او قام بها اليهود انفسهم.

كان دوفيللوبان يعرف - وكنا جميعا نعرف ، وقد كتبنا في ذلك مرارا - ان هذه الحملة انما تهدف الى امرين : احراج وتطويق حكومة شيراك عقابا لها على مواقفها العربية ، وكنس الطريق امام ساركوزي بعد اقصاء الان جوبيه . فماذا فعلت الانظمة العربية ؟

هل سعت الى حلحلة التضييق الاقتصادي على حكومة دومينيك دو فيللوبان ؟ هل سعت الى فتح الابواب السياسية امامه ؟ لا بالطبع ، بل ساهمت بالحصار عليه وعلى شيراك ، مما حول الاخير في نهاية حكمه الى اتخاذ موقف غبي من سوريا ، عله بذلك ينقذ رأسه.

والان يفتح الجراب ويتدفق الذهب العربي على الرجل الذي وصف الشباب المساكين من المهاجرين بالقمامة ، ووصف اسرائيل بالمعجزة . اهو فعلا مقياس لمدى النفوذ الاميركي في دولنا هذه ؟ ام انه وبتعبير اوضح مقياس للنفوذ الاسرائيلي نفسه؟

اما المواطن العادي ، فاي صباح نكد هذا الذي لا يحدثه الا عن تسرب المليارات العربية الى الخارج ، في حين نام هو بالامس على هم تأمين اللقمة وصحا اليوم على هم تأمين الدواء ، ناهيك عن الهموم الاخرى التي تتدرج في قائمة يتعدى طولها طول قامته.

بالامس فقط كان طبيبي العربي في باريس يقول لي : اشكري ربك انك اصبت بالمرض في فرنسا ، اتدرين امي اصيبت بمرض في القلب ، لو كنت في بلادنا لما كفاني دخلي لمعالجتها . اوليست سيغولين رويال على حق في قولها :"معالم فرنسا هي اولا برج ايفل وثانيا التامينات الاجتماعية"؟ واليوم ارفع سماعة الهاتف لاقول له : الحمد لله بفضل المليارات العربية ستبقى التامينات الاجتماعية قائمة في فرنسا ، وسيزداد عدد الذين يموتون لنقص العلاج في العالم العربي . وسيتسول حكامنا اكثر منح تاشيرات للمهاجرين لكي ياتوا بدورهم لتسول مذل هنا . فيرد علي : ولماذا لا تضيفين انه بفضل المليارت العربية الجديدة ستتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في منح مساعدات لاسرائيل ومن متابعة تمويل احتلالها للعراق ؟ العراق ، وبالمناسبة : هذا الصباح حملت النشرة الاقتصادية ، نفسها ، خبر ان الحكومة العراقية تشتكي من نقص الكهرباء في الشمال ونقص النفط في الجنوب ، والقت باللائمة على دول الجوار واعمال العنف. فاية سوريالية هذه التي تجعل ابن ما بين النهرين يتسول الكهرباء من تركيا ، ومالك اكبر مخزون نفطي في العالم يتسول النفط من ايران ؟،،، اهذا هو العراق الجديد ، الذي بشر به الاحتلال وعملاؤه ؟ اهذا هو النموذج الذي بشروا به للمنطقة كلها؟

"كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

والماء فوق ظهورها محمول"

ام انها مقدمة لابتزاز المزيد من الاموال العراقية عبر بيع مفاعلات نووية سلمية لتوليد الكهرباء؟ بعد هذا الا يحق لبوش ان يرقص بالسيف العربي ، بل وان يضرب به العالم ، حتى رؤوس العرب انفسهم؟ ويسألونك عن تنامي التطرف والارهاب،

مصادر
الدستور (الأردن)