تزامن جولة الرئيسين الأمريكي جورج بوش والفرنسي نيكولاي ساركوزي "الخليجية"، وليس شرق الأوسطية كما أشيع إعلامياً، أثار الكثير من الاستفسارات والتساؤلات حول ما إذا كانت هاتان الجولتان قد تم الترتيب لهما بين واشنطن وباريس، بما يعني وجود تنسيق مشترك أو مشروع مشترك لتقاسم المصالح والمكاسب في هذه المنطقة شديدة الأهمية والخطورة أيضاً، أم أن التنافس كان السمة الغالبة بين أهداف الجولتين بما يمكن أن يعني أن الخليج قد يشهد مرحلة جديدة من صراع المصالح ولكن بين الشركاء الغربيين هذه المرة، عكس ما كان في سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي بزعامة الولايات المتحدة، والاشتراكي الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، وبما يعني غياب الصفة الايديولوجية عن هذا الصراع وغلبة صفة المصالح الاقتصادية التي يأتي النفط في مقدمتها، ثم العائدات النفطية الهائلة الناتجة عن الطفرة غير المسبوقة في أسعار النفط التي قفزت بسعر البرميل الى المائة دولار.

الذين تابعوا المحتوى الحقيقي للجولتين بعيداً عن كل ما علق بهما من شوائب دعائية وسياسية في مقدوره أن يصل الى يقين مفاده أن الخليج كان هو الهدف الذي تركزت حوله الجولتان. ساركوزي زار ثلاث دول خليجية هي قطر والسعودية والإمارات، أما بوش فزار أربع دول خليجية هي الكويت والبحرين والإمارات والسعودية، وإلى جانبها زار الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية واختتم الجولة بزيارة سريعة لمنتجع شرم الشيخ المصري وليس العاصمة المصرية القاهرة لكل ما يحمله هذا كله من دلالات لا تخفى على الكثيرين.

بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن جولة بوش مثلما هي جولة ساركوزي كان هدفها الخليج، لكن بوش ما كان يمكن أن يزور الخليج من دون أن يزور "إسرائيل" أو يتعهد بإعطاء بعض المؤشرات على اهتمامه بمتابعة اجتماع أنابولس، ومن دون أن يقدم ل "الإسرائيليين" كل ما يأملون من ضمانات تشجعهم على المضي قدماً، ولو ظاهرياً، في حل "الدولتين" أي إقامة دولة فلسطينية (قابلة للحياة) بجوار الدولة "الإسرائيلية" التي شاء بوش أن يجعلها "دولة يهودية".

هكذا يمكن أن نفهم خلفية زيارة بوش للكيان وللسلطة الفلسطينية، وبالذات تركيزه على دعوته الغرب لعقد شراكة مع "إسرائيل" تتجاوز بالطبع الإطار الضيق للعلاقات الطبيعية بين الدول، أي من دون اكتفاء بعقد علاقات سلام بل الطموح الى علاقات تحالف. ونستطيع أيضاً أن نفهم السر وراء التركيز المبالغ فيه على الخطر الإيراني، بل وعلى افتعال أزمة الزوارق مع إيران التي كذبتها مصادر أمريكية عسكرية وأكدت أنها ادعاءات مختلقة.

فطالما أن الخليج هو الهدف، وأن كعكة العوائد النفطية أضحت هائلة، فمن الضروري إيجاد كل المبررات الكافية لفرض استمرار وجود أمريكي مكثف في الخليج يعطي لواشنطن كل الحق في عقد كل ما تريده من صفقات سواء كانت عسكرية أو غير عسكرية، وليس هناك أفضل من ذلك الخطر الإيراني أو "الشيطان الإيراني" المتربص بالدول الخليجية كي ينقض عليها بعد أن زال الخطر العراقي الذي ظل يمثل مبرراً، لسنوات طويلة، لتلك العلاقة الاستراتيجية الأمريكية الخليجية.

بوش ركز على الخطر الإيراني وترك تفاصيل الصفقات لمسؤولين أمريكيين آخرين، باستثناء صفقة الأسلحة الكبرى مع المملكة العربية السعودية، لكن ساركوزي الذي حرص هو الآخر على التضخيم من الخطر الإيراني، لم يشأ أن يضيع الفرصة السانحة وشرع فوراً في البحث عن صفقات مغرية.

مراجعة هذه الصفقات الضخمة تستبعد فكرة التنسيق أو تكامل المصالح بين واشنطن وباريس، وتفتح المجال أمام التنافس الذي قد لا يكون ظاهراً الآن لسبب رئيسي هو أن الكعكة فوق كل تصور لكن في مرحلة أخرى قد يصبح التنافس هو الأصل ويبقى السؤال: أين الخليج من هذا كله؟!

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)