أحدث تقرير لجنة فينوغراد هزة أرضية خفيفة في اسرائيل، أوحت بأن الدولة والمجتمع تجاوزا آثار حرب لبنان الاخيرة، ولم يبق سوى الانتهازية السياسية التي يمكن أن تطيح حكومة ايهود أولمرت، وتدخل تعديلا جوهريا على السياسة الاسرائيلية في المرحلة المقبلة، يقودها الى المزيد من المغالاة في الاعتماد على منطق القوة وسيادتها. وتتفادى نقاشا لم يفتحه أحد من الاسرائيليين حول مسؤولية أميركا عن تلك الحرب، وأثرها على العلاقات الثنائية العميقة بين الدولتين.
القراءات الاسرائيلية المتعددة لنص التقرير الملتبس والمتناقض الى حد بعيد، كانت محيرة بعض الشيء. صدرت بعض الاصوات التي تقول انه ما كان ينبغي الخروج الى حرب تموز العام ،2006 لكن الغالبية الساحقة خلصت الى استعارة ما قاله القاضي فينوغراد نفسه: طالما ان الحرب قد أعلنت، فكان ينبغي إدارتها وخوضها بطريقة مختلفة، والوصول بها الى نتائج مغايرة، من دون أن يوضح أحد ما هو المقصود بذلك تحديدا، وما اذا كان يعني تدمير لبنان كله، وليس فقط مناطقه الشيعية، أو احتلال بعض أجزائه الجنوبية مرة اخرى.
لم يصدر التقرير على هذا النحو لو لم يكن هناك اقتناع اسرائيلي عام بأنه تم بالفعل استخلاص العبر من حرب لبنان الاخيرة وجرى تصحيح الأخطاء التي ارتكبت خلالها، وتمت استعادة قدرة الردع التقليدية التي اختبرت في الغارة الاسرائيلية على الموقع السوري في دير الزور في مطلع ايلول الماضي، والتي تختبر كل يوم بواسطة الانتهاكات والغارات الجوية على لبنان. ولم يبق سوى امتحان الجيش الاسرائيلي مرة اخرى في معركة برية ما، لا تقتصر على خوض ما يسمى بحرب عصابات جديدة، تقع في الاصل خارج أي حساب للردع العسكري.
لكن هذا الاقتناع يتعارض مع حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي ما زال يشعر بأن حكومته ضعيفة وزعماءه غير كفوئين، لكنه يميل الى الاحتفاظ بهم لأنه ليس لديه بديل أفضل ربما.. ولأنه يدرك في قرارته أن محاسبة ايهود أولمرت وفريقه قد تؤدي في نهاية المطاف الى محاسبة العلاقات مع أميركا ومع إدارة الرئيس جورج بوش التي لا تريد الآن أي تغيير في اسرائيل يمكن أن يفتح الملفات الكاملة لمختلف حروبها في الشرق الاوسط كله.
لم يكن يتوقع أن يأتي التقرير على ذكر الكثير من الحقائق الجوهرية في الحرب، وأهمها ان اسرائيل قررت وتوقعت خوضها لـ72 ساعة على الاكثر، لكن إدارة بوش هي التي ألحت على تمديدها لـ33 يوما، لأنها كانت تود أن تعاقب ايران على دورها العراقي وعلى برنامجها النووي. وبهذا المعنى فإن اعتراف فينوغراد بأن اسرائيل لم تحقق أيا من أهدافها في هذه الحرب يشبه الى حد ما تقرير أجهزة الاستخبارات الاميركية الذي برأ طهران من تهمة السعي الى إنتاج قنبلة نووية. في الحالتين كان هناك خطأ، جرى الاعتذار الضمني عنه أمام الجمهور الأميركي والاسرائيلي.
لم يلامس تقرير فينوغراد تلك الادارة المشتركة لحرب لبنان الاخيرة التي لا بد انها ساهمت في إعادة توزيع المهام العسكرية بين اسرائيل وأميركا في المنطقة بأسرها.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)