تتسع قمة دمشق لكل الاحتمالات، لأن النظام العربي وضعها خارج الإطار الاستراتيجي المتوقع لها، ويبدو أن هذا التكتيك بدأ منذ أن أصبحت "القمة" سنوية، فأصبحت شكلا للضغط السياسي أو حتى لتثبيت آلية تكرس الواقع الذي حصل منذ حرب الخليج الثانية عام 1991.

في الصورة الأولى لقمة دمشق هناك مساحة خلافية تحاول جملة من الأطراف التعامل معها، أو حتى استخدام "القمة" لتركيب جدول أعمال منجز سلفا، وربما رسم سيناريوهات تجمع العواصم الثلاث الأساسية: دمشق والرياض والقاهرة، على خط التوافق أو التناقض، ووفق هذا الأمر فهناك "عمليات" مصالحة يمكن أن تتم، لكن سورية استبقت التوقع الإعلامي وبدأت بتوجيه الدعوات حسب بعض المصادر، فهل يعني هذا التحرك تحقيق انعقاد القمة؟

السؤال الملتبس هنا هو "غاية" القمة وليس انعقادها، فعندما تم إقرار مسألة دورية انعقادها كان من المتوقع أن تساهم في تحقيق توازن عربي أفضل، لكن ما حصل كان عكس ذلك، فالقمم العربية المتلاحقة كانت عاجزة عن معالجة مسائل مهمة وطارئة، مثل الانتفاضة الثانية واحتلال العراق وأخيرا حرب تموز، وربما أكثر من ذلك فحرب تموز أوقفت انعقاد القمة العربية.

لكن من يربط القمة بمحور "دمشق – الرياض – القاهرة فإنه يستند أساسا لشكل استراتيجي قديم، فالمسألة اليوم أعقد من حسابات التوازن التي اختلت بشكل قوي بعد احتلال العراق، وأصبح البيت الأبيض موجودا في التحضير لمثل هذا الاجتماع العربي الكبير، فالولايات المتحدة لم تعد مسؤولة عن امن حلفائها كما كان سابقا خلال الحرب الباردة، أو كما اصطلح على تسميته بـ"وقف المد الشيوعي" إنما هي معنية أيضا بأمن مواطنيها الذين نشرتهم باللباس العسكري في العراق، أو الموجودين في الخليج العربي ضمن القواعد العسكرية والقطع البحرية.

لم يعد ممكنا اليوم الحديث عن القمة العربية بحسابات قديمة، وكما ظهر في قمة الرياض الأخيرة، فإن "التحويل" السياسي بات ممكنا، بحيث تصبح التوصيات منفذا لإيجاد آليات سياسية لا علاقة لها بطبيعة النظام العربي أو تطويره.

حتى اللحظة فإن المشاركة العربية بالقمة تشكل مسألة محرجة للبعض، لأن انعقادها سيكون في زمن رمادي لم تحسم فيه "الانتخابات الأمريكية"، ولم تظهر طبيعة الاستراتيجية المرتقبة للإدارة الجديدة، وهذا الأمر سيخلق ترددا واضحا وستبقى الأزمات العالقة نقاط خلاف في مسألة القمة رغم أنها ملفات يجب أن تبحث خلال اجتماع الزعماء العرب، وليس قبل أو بعد لقائهم.