وصول المدمرة الأميركية «يو اس - أس كول» قبالة الشواطئ اللبنانية يطرح العديد من الأسئلة وفي طليعتها: هل هذا التحرك من جانب الولايات المتحدة الأميركية يهدف فعلاً الى الحرص على الاستقرار في المنطقة أم أنه يعتبر تهديداً مباشراً لهذا الاستقرار؟

واستطراداً: هل الخطوة الأميركية هي فعلاً من أجل الحفاظ على أمن لبنان بوجه التهديدات المحيطة به... أم أن «الحالة اللبنانية» يمكن أن تكون جسر العبور للتوجهات الأميركية من اتجاهات متعددة تبدأ باستهداف سورية مروراً بالوضع الفلسطيني المتفجر وصولاً إلى الملف النووي الإيراني؟

من حيث المبدأ يعتبر الوجود البحري الأميركي على مقربة من لبنان ولو أنه لا يرى بالعين المجردة عرضاً واضحاً للقوة يأتي وسط أجواء تصعيدية شديدة الوضوح بتوترها وبخطورة التداعيات التي تنطوي عليها. وفي الشؤون الاستراتيجية هناك فوارق أساسية بين عرض القوة واستخدام هذه القوة.

القضية الملحة في هذه الفترة الحبلى بالأحداث والمفاجآت تتمثل في إمكانية استشراف المرحلة الآتية على المنطقة من منطلق تطورات الأزمة اللبنانية. فهي تأتي وسط انسداد كامل في أفق الحل بعد فشل جميع المحاولات التي جرت للعثور على مخرج للوضع المأزوم وآخر هذه المحاولات المبادرة العربية التي لم تكن أفضل من سابقاتها من المبادرات التي طرحت، الشرقي منها أو الغربي أو الأوروبي، وكلها باءت بالفشل ليتأكد من جديد أن لبنان يواجه أزمات هي أكبر من طاقته ومن قدرته على الاحتمال... وعلى إيجاد حلول لها تقي هذا الوطن من أخطار كبيرة محدقة به.

وفي التفاصيل وبالعودة إلى اللقاء الرباعي الأخير في مجلس النواب اللبناني، وبمعزل عن التفاصيل المملة، صرح عراب المبادرة العربية عمرو موسى بالآتي: «إن الزعماء اللبنانيين وصلوا إلى آخر ما يستطيعون أن يقدموه». ويضيف: «لا بد من عمل عربي وإقليمي لوقف النزيف داخل هذا البلد». وشدد على أن «التجييش وتجيير القوى الخارجية مسألة غير مقبولة في لبنان. بلد وصل إلى نقطة غاية في الخطورة على كيانه وعلى نسيجه الاجتماعي وعلى مستقبله».

وكل متابع للشأن اللبناني كان يدرك أن الأمور سائرة إلى مزيد من التعقيد وإلى استحالة الخروج من المأزق القائم وسط حالة غير مسبوقة من التأجيج من كل لون ونوع وحالة احتقان مخيفة تنذر بأوخم العواقب.

وفي ضوء تطورات الساعات الأخيرة يجب ربط ما حدث بما هو آت وهل عرض القوة الأميركي سيزيد من حالة الاحتقان والتأجيج وما هي النتائج المرتقبة لذلك.

ان الوضع تخطى لعبة شد الحبال بين الموالاة والمعارضة، وبين تجمع 8 آذار وتجمع 14 آذار إلى ما هو أخطر ليشمل المنطقة بكاملها.

ومن الطبيعي أن تسهم الخطوات الأميركية الأخيرة وما يمكن أن يتبعها من تدابير مماثلة لتجعل من المياه اللبنانية بحراً للأزمات يحفل بالعديد من المخاطر.

ويتزامن اشتداد حالة الورم الوطني السائدة في لبنان مع الأزمة المعلومة التي ترافق التحضيرات لانعقاد القمة العربية في دمشق نهاية شهر آذار (مارس) المقبل.

وصورة الأحداث تبدو على الشكل التالي: تراكمات الأزمة اللبنانية وتداعيات معطوفا عليها التضارب في المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية، لتؤلف مشهدية التوتر العالي الذي يسود المنطقة.

وإذا كانت الانقسامات العميقة القائمة على الساحة اللبنانية قد منعت مختلف الأفرقاء من التفاهم على جوامع مشتركة لحل الإشكالات القائمة فمن شأن هذا الواقع أن يفتح الوضع اللبناني على كل الاحتمالات أفضلها هو الأسوأ والأسوأ فيها يصبح الأكثر سوءاً.

ولا يمكن عزل ما يعصف بالساحة اللبنانية المستباحة على كل أنواع الخلافات والتجاذبات وتعارض وتقاطع المصالح عن انتشار رقعة الخلافات الإقليمية والدولية لترابط الأمور وتداخلها في ما بينها، حيث لا يعود هناك من فارق بين الجحيم المتفجر في قطاع غزة وما يجري في المنطقة.

فهل سيكون لبنان منطلق التفجير الكبير الآتي على المنطقة؟

وفي فترة مزدحمة بكثير من الأسئلة، يجاب على الأسئلة بأسئلة أخرى، نتساءَل: هل أن التحرك الأميركي يشكل ما ترى واشنطن أن يشكل حالة ردع معينة لحصر أحداث المنطقة أم العكس يمكن أن يكون صحيحاً: أي أن تكون في الأمر عملية استدراج؟

يذهب البعض في معرض تحليله للتحركات الأميركية الأخيرة الى القول إن موقف واشنطن يأتي في سياق ما أعلنه أخيراً الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عن «الحرب المفتوحة»، ورغم أن بعض الشروحات قدم وأعطي في هذا المجال ومنه أن الحرب المفتوحة وردت في سياق شرطي وفرضي بمعنى... أن هذه الحرب يمكن أن تقوم إذا أرادت إسرائيل المضي في هذه اللعبة، رغم هذه الإيضاحات ما زالت المواقف الملتبسة هي السائدة في هذه المرحلة المعقدة.

وفي تقريب المواقف وحصرها في نقاط محددة، يمكن التوقف عند ما يلي:

* إلى أي مدى يمكن أن يساعد التصرف الأميركي على تقريب فرص إيجاد حلول للأزمة اللبنانية وسط قرع طبول الحرب؟ قد يكون الجواب بالسلب، بمعنى أن مثل هذا التطور قد يسهم في تعقيد الأمور أكثر فأكثر ويلهب الأجواء الداخلية بحرب جديدة من السجالات والاتهامات ويخطئ أي طرف لبناني في أن يتباهى بقدوم المدمرة الأميركية قبالة الشواطئ اللبنانية للاستقواءَ بها. فالولايات المتحدة ليست جمعية خيرية تعمل بالمجان لخدمة هذا الطرف أو ذاك، بل هي تستخدم بعض الذرائع والأطراف كمطية لتحقيق أهداف مصلحية كبيرة.

* القمة العربية وقمة التوتر العالي: يهم الدولة المضيفة سورية أن يتم انعقاد القمة المتفق عليها بشكل دوري، لكن أن يتحول حضور هذه القمة إلى سجالات وإلى طرح شروط وشروط مضادة فهو يخرج لقاءَ القمة عن روحية التضامن العربي أو ما تبقى منه. وما زال لقاءَ دمشق يمثل، حتى كتابة هذه السطور، على الأقل فرصة ولو أخيرة لإنقاذ هذا التضامن ولو على شكل هيكل عظمي، وإلا يجب أن يصدر بعد القمة المقبلة بيان يحمل النعي النهائي لقيام أي تعاون عربي مشترك أو غير مشترك بعد اليوم، لذا لا يمكن لدمشق أن تتحدى الواقع العربي بتجاهل الكثير من المعطيات والتعامل معها بشكل إيجابي.

وفي المقابل لا يجب أن يكون حضور الأطراف العربية لهذه القمة وكأنه منة. فمع تحسن العلاقات السعودية - السورية والمصرية نعم العالم العربي بفترة صفاء نسبي، ومع التوتر الحاصل بين الرياض ودمشق لن ينعم العرب بالاستقرار. والسؤال: من سيصمد ويصر على المواجهة؟ ومن يمكن أن ينحني أمام العاصفة الهوجاء؟

* ربطت واشنطن إرسال المدمرة «كول» إلى قرابة السواحل اللبنانية بارتفاع وتيرة التهديدات التي أطلقها «حزب الله» أخيراً، لكن كيف سيتم التعبير الأميركي عن «التدخل» لخفض وتيرة مثل هذا التوتر؟ كذلك ربطت الدوائر الأميركية هذا التصعيد بالمضاعفات التي أعقبت اغتيال القيادي الكبير عماد مغنية. وإذا صحت الأقوال التي نسبت إلى زوجة مغنية عن اتهامات لسورية بالوقوف وراءَ تدبير حادث اغتياله فمن شأن هذه التداعيات إدخال الكثير من التعديلات على صورة الموقف الحالي، كما أن من شأنها تغيير بعض المعادلات والتحالفات وخلط الكثير من الأوراق، وإلا ستكون هذه التهم واحدة من تسريبات كثيرة يحتاج الموقف إلى وقت طويل للتأكد من صدقيتها.

* ان المواجهة المكشوفة ما بين التوجهات الأميركية في المنطقة ودول الممانعة التي أخذت على عاتقها التصدي لهذه التوجهات تشهد هذه الأيام فصلاً خطيرا من فصولها المتعددة. الآن الرئيس جورج دبليو بوش في حالة سباق مع نفسه في البيت الأبيض فهو يسعى إلى كسب ما تبقى من الوقت والقيام ببعض الحروب الاستباقية التي اشتهر بها... أو بحروب استدراكية الطابع. ولأن الأمور مترابطة ببعضها بعضاً، يجب السؤال عن مصير قيام الدولة الفلسطينية قبل رحيل بوش عن البيت الأبيض. إن مجموعة من القرائن تؤكد أن هذا الأمر شديد التعثر، وعندما التقى الرئيس محمود عباس الملك عبدالله الثاني في عمان قبل أيام حمله رسالة إلى الرئيس بوش مفادها: ما لم يتم تدخلكم المباشر، فسينتهي العام... وتنتهي فرصة قيام الدولة الفلسطينية.

* طلائع آلة الحرب الأميركية وصلت وكوندوليزا رايس في طريقها إلى المنطقة. ويقال في واشنطن إن الرئيس جورج دبليو بوش يفكر قبل مغادرته البيت الأبيض بخوض حرب جديدة في المنطقة تكون بمثابة رد اعتبار لما حدث في العراق. لكن هل من أحد يستطيع أن ينصح الرئيس بوش ان صناعة السلام هي أفضل بكثير من صناعة الحروب؟

* لا يفرحنَّ أحد تهليلاً بأي تدخل خارجي، اميركي أو غير اميركي، في الشؤون اللبنانية أو في شؤون المنطقة. ان تطورات الساعات الأخيرة تحتم على كل الأطراف إجراء مراجعة جادة للمواقف بمنتهى الشجاعة والمسؤولية العالية وبعيداً عن لغة الغرائز والأحقاد والخصومات والعناد، وهذه كلها لا تصنع وطناً ولا تنقذ وطناً من محنة تكاد تقضي عليه.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)