الامير عيسى الايوبي

كما يقول الأوروبيون: إن التحرك الأميركي الأخير في المنطقة سواء زيارة تشيني أو الزيارة المرتقبة لكونداليزا رايس التي تتزامن مع انعقاد القمة قد حصلتا دون تنسيق الحد الأدنى مع أوروبا رغم الإشارات الإيجابية التي أرسلها إلى القيادة الأميركية كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمنسق الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية بضرورة العمل معا.

ويعتبر الأوروبيون أن التحرك الأميركي الأخير يشكل إنذاراً مهماً لتطورات خطيرة في المنطقة وخاصة أنها حملت دعوة لمقاطعة قمة دمشق العربية وأحدثت خللا رهيبا في العلاقات العربية – العربية ووضعت العرب المعتدلين أمام خيارات صعبة تهدد بانقسامهم بعد القمة وتصدع ما يسميه الغرب والولايات المتحدة جبهة المعتدلين العرب.
ويؤكد الأوروبيون أن مغامرة أميركية جديدة يتم التحضير لها وليس إفشال التوافق الفلسطيني إلا جزءاً يسيراً منها. وإن الولايات المتحدة تشعر بالخيبة من جراء فشلها في عزل دمشق عربيا، وهو أمر لم تكن تتصور حدوثه رغم تجنيدها كافة الوسائل والآليات لتأمين نجاح العزل سواء عبر الملف اللبناني أو عبر الملف الفلسطيني أو عبر الوضع في العراق. هذا الأمر يجعل تغيير الخطة أمراً ملحاً جداً فالزمن يسير بسرعة على عكس توجهات الولايات المتحدة في العالم.

ويقول الأوروبيون في أروقة الدبلوماسية إن قمة دمشق ستشكل رافعة حقيقية لمواقف منتقدة للسياسة الأميركية. وسيكون من أول نتائجها تخفيض مستوى التأثير المصري- الأردني – السعودي، ففي الملفات الساخنة في المنطقة، كلبنان وفلسطين والعراق ودارفور، وسيكون هذا من أول النتائج العكسية لمحاولات الولايات المتحدة تأكيد عزلة دمشق العربية. وبدأ الحديث يدور عن المسؤول عن هذه الكارثة الدبلوماسية- السياسية الجديدة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
الأوروبيون يراقبون بدقة ردود الفعل العربية خلال القمة وما بعدها وطريقة تصرف القيادات في المثلث الأميركي (مصر- الأردن - السعودية) ويقفون متسائلين عن السبب الحقيقي لانقلاب دول الخليج العربية على الأخ الأكبر السعودي مؤكدين أن السبب الرئيسي هو رغبة هذه الدول بإرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل تشير إلى ثلاثة أمور: الأول أنه ليس صحيحا التخوف الخليجي من النيات الإيرانية وأن زمن النزاع العربي – الفارسي قد ولى. والثاني رفضهم لسياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه دمشق وعلى الولايات المتحدة الأميركية أن تحترم هذا الموقف. والثالث أن الصداقة لا تعني التبعية وعلى القاموس الأميركي أن يلغي هذا التلازم بين التعبيرين. ما سيحصل داخل القمة لا يثير انتباه الدوائر الغربية بالتأكيد فتجربتهم مع القمم العربية والخطابات التي تلقى وتبثها التلفزة وتنشرها وكالات الأنباء عادة ما تكون على مكاتب القيادات الغربية قبل إلقائها، لكن ما تهتم به الدوائر الغربية هو ما ستكون عليه العلاقات العربية بعد القمة وإلى أي حد سيستطيع العرب الغائبون- المغيبون عن القمة الاستمرار في موالاتهم للساسة الأميركيين وخاصة أن ما سمعه ملك البحرين في واشنطن كان صعباً وما سمعه الرئيس المصري حسني مبارك في موسكو من القيادة الروسية الجديدة كان
أصعب.
ويعلق الأوروبيون أهمية كبيرة على الوضع الفلسطيني بعد القمة لكونه سيلقي بظلاله الكثيفة على كل من مصر والأردن
في ظل ظروف داخلية في البلدين لا تحتمل أي خطأ في تقدير خطورتها.

اللافت في حديث الدوائر الأوروبية هو الحديث عن نتائج خطيرة في الداخل السعودي سواء على صعيد العلاقات داخل العائلة المالكة أم على صعيد الوضع الأمني العام في البلاد الذي شهد مؤخراً استراحة يقول الأوروبيون إنها استراحة المحارب ليس إلا أو الهدوء الذي يسبق العاصفة. فمطالب تشيني من السعودية كانت تعجيزية وإن لبت السعودية مطلبه بعزل دمشق وعدم حضور القمة إلا أنها لن تستطيع تلبية المطالب الأخرى التي يعتبرها البعض في السعودية أنها تتعلق بهوية السعودية وموقعها ومصالحها الجيو-إستراتيجية على حين يعتبرها البعض الآخر أنها جزء من المصالح المشتركة الإستراتيجية لكل من السعودية وعائلة بوش التي ترتبط بعلاقات صداقة مع بعض آل سعود في العائلة المالكة. الأمر الذي يتطلب تفاهما داخليا لم تكتمل بعد عناصر نجاحه. وإذا كان الأوروبيون لم يفاجؤوا بقرار حكومة فؤاد السنيورة عدم الحضور لكون التحالف الحكومي في لون على شفير الانفجار ولم ير المعتدلون مصلحة بالانفصال عن شركائهم بعد وفضلوا أن يلعبوا لعبة أم الصبي والتخلي عن قناعاتهم لمصلحة الإملاءات الأميركية، فإن الأوروبيين يرون أن عدم حضور حكومة السنيورة للقمة والحملة الإعلامية المدفوعة لإقناع بعض اللبنانيين بهذا القرار سيكون له نتائج سلبية جداً على التوازن الداخلي في لبنان وهو توازن فرضته سابقا قوى المعارضة لكن شيئاً لا يضمن استمرارها في الدفاع عنه. خاصة بعد أن وضعت بعض قوى التحالف الحاكم في لبنان أوراقها كاملة بسلة المشروع الأميركي – الصهيوني في المنطقة كلها وبعد أن ظهر المشروع بأوضح صوره في التصريحات والجولات الأميركية الأخيرة.

ولكن السؤال الذي يطرح في فرنسا وأوروبا هو ما العمل؟ وأين مصالحنا نحن في ظل محاولات إبعادنا عن موسكو والصين؟ وعدم إعطائنا أي ضمانات من الولايات المتحدة في أي من الملفات الساخنة.