هل ثمة حقاً مفاوضات سرية تجري بين إيران وأمريكا منذ أكثر من خمس سنوات؟

وإذا ما كان الأمر كذلك، والأرجح انه كذلك، لماذا لا نرى بوادر إيجابية لهذه المحادثات الكواليسية التي بات تاريخ العلاقات الإيرانية- الأمريكية يعج بها، من صفقة إيران- كونترا العام ،1980 إلى “تفاهم أفغانستان” ضد “طالبان” في ،2001 وانتهاء بنوم الطرفين على سرير واحد بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 ؟

ألاّ ترى شيئاً لا يعني أنه غير موجود. والهدوء النسبي الذي تمتعت به القوات الأمريكية في العراق، لا يعود فقط إلى “صحوة” حركة “الصحوة القبلية” و”أبناء العراق “، بل أولاً وأساساً إلى موافقة إيران على ضبط النفس خلال قيام الأمريكيين بعملية “الموجة العسكرية “ الأخيرة. إضافة الى أن مباركة طهران لإنقضاض “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” (الذي تشكّل ميليشيات “بدر” فيه جل القوات الحكومية العراقية) على جيش المهدي، كانت مؤشراً آخر على هذا الذي لا نراه لكنه موجود.

بالطبع، قلنا مراراً في هذه الزاوية، ونكرر القول الآن، إن احتمال إبرام صفقة تاريخية كبرى بين الطرفين، تقدّم بموجبها واشنطن ليس فقط ضمانات لبقاء النظام الإسلامي الإيراني، بل أيضاً لتقاسم النفوذ معه في المنطقتين النفطية (الخليج) و”الاسرائيلية” (الهلال الخصيب) يبدو من رابع المستحيلات. لكن هذا لا ينفي إمكانية التوصل إلى صفقات صغيرة حين تتقاطع المصالح المشتركة حولها، تماماً كما كان يحدث تكراراً خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، اللذين كانا يخوضان في آن “حروباً بالواسطة”، و”صفقات بالواسطة”

ماذا يجب أن يعني ذلك للدول العربية؟ الكثير:

1- ان إيران، وبرغم صريخها البلاغي المدوّي، هي في الواقع دولة براغماتية حتى العظم قبل أن تكون ثورة إيديولوجية حتى النخاع. مصلحة الدولة فيها تأتي قبل أشواط فلكية من مصالح الثورة. ومن أجل حماية الأولى (من مخططات تغيير الانظمة الأمريكية) فإن القائمين على النظام مستعدون لتقديم كل، أو أي شيء.

2- ان أمريكا، وبرغم عويلها الديمقراطي، طوّرت طيلة تاريخها المديد في الشرق الاوسط هوساً اسمه عشق التعاطي مع الأنظمة الشمولية. وتجاربها مع طهران منذ مقايضة إيران كونترا المذهلة التي قبلت بموجبها هذه الأخيرة أسلحة من “إسرائيل” بأموال مخصصة لأشرس ميليشيا يمينية موالية لأمريكا في العالم( الكونترا)، دليل أكثر من فاقع على ذلك.

أجل إيران قوة إقليمية طموحة، وهي لا تزال تحتل أرضاً عربية هي الجزر الإماراتية. أجل أيضاً، انها تمارس الان أدواراً كبيرة في العراق ولبنان وفلسطين وسوريا. لكنها ليست عدو العرب، لا دينياً، ولا استراتيجياً كما ادعت وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” في قطر. كما أن فرص التفاهمات العربية- الإيرانية قائمة في كل حين، كما تدل على ذلك الصفقات الأمريكية الإيرانية والحوار الدائم بين الرياض وطهران.

وحتى لو فرضنا ان بعض العرب باتوا يخشون الصعود الإقليمي الإيراني، فهذا يجب ألا يكون البتة مدعاة لاستبدال الخطر الاستراتيجي- الوجودي “الإسرائيلي” بالخطر التكتيكي- العابر الإيراني الذي قد يتبدد بلحظة واحدة، حين تغير إيران سياساتها او رؤساءها. وهذا ليس صحيحاً بالنسبة ل “إسرائيل”.

أكثر من ذلك، العرب يمكن أن يفيدوا إفادة جلى من المجابهة الراهنة بين الغرب و”إسرائيل” وبين إيران لتحسين مواقعهم في الصراع العام في المنطقة، بدل أن يكونوا أدواته أو يدرجوا على لائحة طعامه.

وهذه النقطة الأخيرة لن تكون مستبعدة حين نتابع ما يجري في الكوليس بين واشنطن وطهران. لن تكون مستبعدة البتة.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)