قوة البحث عن "السلام" اليوم مختلفة نوعيا عما حدث بعد عام 1990، فمؤتمر مدريد كان يوحي بأن البحث عن التوازن في المنطقة انتهى مع عملية "عاصفة الصحراء" وتحرير الكويت، بينما يظهر السلام اليوم على مساحة من التجارب الفاشلة التي حاولت تبديل الجغرافية – السياسية، سواء باحتلال العراق، أو بإعادة رسم الأدوار الإقليمية، وفي نفس الوقت فإن "التسوية" بذاتها تفتح اليوم العديد من إشارات الاستفهام لأنها تظهر دون ماض واضح.

ربما تُظهر الساحة السياسية الدولية ترحيبا باحتمالات التسوية والانفراج في المنطقة، خصوصا بعد اتفاق الدوحة ثم الإعلان عن "المباحثات" السورية – "الإسرائيلية"، وأخيرا ما يتم تداوله حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله، لكن وعلى مستوى آخر يمكننا تحديد مؤشرين أساسيين فيما يحدث اليوم:

 الأول أن "مباحثات" السلام تبدو هامشية مقارنة بالحدث الآخر المتعلق باتفاق الدوحة، فـ"الانفتاح" الفرنسي إن صح التعبير كان نتيجة انتخاب رئيس جديد للبنان، بينما جاء الإعلان عن المباحثات ليعزز النظر إلى ضرورة ضياغة العلاقات مع المنطقة من قبل أوروبا على وجه التحديد.

 الثاني هو تبدل "العامل" الدولي بينما بقي الواقع الإقليمي كما هو، فمدى استعداد "إسرائيل" للسلام ليس واضحا حتى اليوم، وما يحدث هو نتيجة أزمات "الحكومة الإسرائيلية"، فالتصريحات تبدو متناقضة والاستعدادات العسكرية استمرت وكان آخرها المناورات الضخمة التي كُشف عنها مؤخرا، والتصريحات التي تتحدث عن ضرورة "ضرب" إيران".

والواضح ان احتمالات التسوية ماتزال مرهونة بنوعية العوامل الداخلية للمنطقة، وليس فقط بالهدوء الدولية الذي يسبق عادة الانتخابات الأمريكية، وإذا كان من الصعب معرفة المواقف النهائية للولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية، فإن "السلام" أيضا سيبقى محط تساؤل حول إمكانية إخراجه من الإستراتيجية الأمريكية السابقة التي قررت رسمه على خارطة جديدة.

ويبدو المهم اليوم أن "التسوية" تظهر خارج إطارها التقليدي الذي شكلها منذ مؤتمر مدريد فهي لم تعد إجراءا سياسيا بل محاولات تأسيس تنطلق من فهم ما يمكن ان نبنيه لأنفسنا عبر السلام، وما نستطيع أن نحققه من إستراتيجية جديدة إذا ... تحقق السلام.

"السلام" لا يساوي الانتحار .. أو الخيانة أو الهزيمة، لكنه يتحول لهذه الأمور مجتمعة عندما لا نحدد ثقافتنا القادمة تجاه القفزة النوعية "السياسية". وهو أيضا لا يساوي الرخاء وانتهاء التعسف أو النظم غير الديمقراطية، لأنه شكل منفصل. لكن كي نستطيع تحمل القادم، سواء حمل السلام أو الحرب، فعلينا القفز فوق الثقافة التي تولد التعسف والاستبداد وحتى الفساد.

مصادر
سورية الغد (دمشق)