يمكن التقليل من أهمية ما يطرح حول مسألة "الملف النووي السوري"، على اعتبار أنه ينتمي إلى زمن مختلف عما سيأتي لاحقا، لكنه في النهاية استقر داخل الآلية السياسية الدولية على أنه "ملف مفتوح" يحتاج بشكل دائم إلى "استكمال"، أو حتى متابعة رغم كافة الظروف السياسية، فالمسألة في النهاية لا ترتبط بـ"حقائق" أو حتى "وقائع" يمكن إضافتها، لأن الحديث عن "موقع الكبر" يدخل في إطار "الجدل السياسي" أكثر من كونه متابعة لما تقوم به سورية.

وإذا كان هذا الموضوع يشكل "الورقة الأخيرة" بالنسبة لإدارة الرئيس بوش قبل رحيلها، لكنه ربما يصبح نقطة انطلاق لأي سياسة مستقبلية لأي إدارة أمريكية قادمة، وتصريحات السفير الأميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية غريغوري شولتي تقدم مؤشرات أساسية حول هذا الموضوع، فهو "حذر" واعتبر ان رفض سورية التعاون مع مفتشي الوكالة "لن يمر بدون عواقب"، لكن هذه اللغة السياسية ربما لا تشكل مفتاح هذا الملف لاعتبارين:

 الأول أن الرهان الدبلوماسي اليوم يعتمد أساسا على "الإدارة الأمريكية القادمة" التي بدلت عددا من أولوياتها، لكن وفي نفس الوقت فإن شولتي تحدث عن أن سورية "تحت تحقيق كامل من الوكالة"، وهذا الأمر يعني أن "الملف النووي" أصبح جزءا من التفكير الدولي تجاه دمشق.

 الثاني يتعلق باللغة التحذيرات التي اتبعت خلال المرحلة السابقة، فهي لا تعني أن هناك "خطرا" نوويا، وربما يكون الحديث بهذا الموضوع "افتراضي" لأبعد الأمور، فالمهم هو "نوعية الدولة" أو طريقة تعاملها مع "أمنها القومي"، فهذا الموضوع هو "نقطة الارتكاز" التي سارت عليها الإدارة الأمريكية على امتداد ثماني سنوات، وليس هناك ما يوحي بتغير هذه الإستراتيجية، طالما ان "الحرب على الإرهاب" لم تتحول باتجاه جديد، فـ"الأمن القومي" للدول أصبح جزء من التفكير الأمني الأمريكي، وهناك تبدلات حدثت في العالم بما يتوافق مع هذا المفهوم وعلى الخص في دول الشرق الأوسط.

عمليا فإن البحث اليوم يدور في "الملفات" التي راكمتها الولايات المتحدة أمام سورية منذ بدء حربها على الارهاب، وهي "ملفات" لا تحتاج إلى معالجة لأنها تملك "سمة سياسية"، وربما من المفيد أن تبقى مفتوحة وغائمة، وتدخل في مساحة "الرمادي" من الأفق السياسي، لأن معالجتها أو حتى الوضوح فيها يغير معادلة "الإرباك" في الشرق الأوسط، ومع الإدارة الأمريكية الجديدة فإن "الإرباك" تبدو سمة مفيدة بدأت بوادرها في شبه القارة الهندية، وهي تنسحب سرعا باتجاه الغرب.

ملف سورية لدى الوكالة الدولية للطاقة لن تتم معالجته بنفس الطريقة الذي عولج بها الملف العراق أو الإيراني أو حتى الكوري، لأنه لا يمثل على أرض الواقع "برنامجا" ولو على الورق، فعمقه الأساسي متعلق بالتفكير الدولي بشأن "سيادة الدول" و "أمنها القومي" وهو عنوان المواجهة ليس مع سورية فقط بل أيضا مع كافة دول الشرق الأوسط.