وصحيح ان منتظرا كاتب وصحافي يعمل ويراسل قناة فضائية عراقية تبث من القاهرة لم تكن بمستوى الحدث الوطني في يومه الاول مع الاسف، عندما حاولت اسقاط صفته الصحافية والغاء هويته الاعلامية والثقافية عندما وصفته في بيانها المطالب بالافراج عنه بـ(منتسبها) وكأنه سائق او مستخدم لديها مع الاحترام للمهن والحرف الشريفة، الا ان الصحيح ان الزيدي مواطن عراقي عانى مرارة الحصار الامريكي الجائر وهو ابن عشر سنين او يزيد قليلا، وقاسى ظلم الاحتلال الامريكي الغاشم وجرائمه وانتهاكاته وهو في عنفوان شبابه ، خاصة ومنتظر كما يعرفه أصدقاؤه وزملاؤه انسان مثقف وحساس ، وقد شاهدته شخصيا يكاد ينفجر من الغيظ وهو يغطي تلفزيونيا مأساة ملجأ للأيتام حدثت ببغداد في العام الماضي، لذلك من حقه المشروع ان يستخدم أي وسيلة مناسبة للتعامل مع رمز الاحتلال وعنوانه الاكبر بوش، قاتل مليون ونصف مليون عراقي بريء ومدمر بلد ناهض وحضاري، وكانت رمية، ما أروعها من رمية، حملت الكثير من المعاني الواضحة والصريحة والمباشرة، بلا تكلف ولا خوف وانما بقوة جمعت بين نشامة العراقي واصالة العربي وصلابة المناضل وشجاعة الرجال الرجال، لم يتهيب منتظر من عنجهية رئيس أكبر وأقوى رئيس دولة امبريالية، ولم يخف من العساكر المدججين بالاسلحة والمرافقين والحراس المفتولي العضلات المتربصين بكل حركة او اشارة داخل قاعة المؤتمر الصحافي .

بالمناسبة .. فان مفردة الحذاء او النعال العراقي لها تاريخ في التراث النضالي الشعبي العراقي ، فقبل سبعة وثمانين عاما قذف الشاعر الساخر الملا عبود الكرخي رحمه الله أحد عملاء الاحتلال الانكليزي قائلا: هاك أخذ مني نعال.. يا ربيب الاحتلال ، وللشاعر الكبير الراحل الجواهري قصيدة في رثاء أحد الشهداء الوطنيين قبل ستين سنة اغتاله عملاء الاجنبي: وانك أشرف من خيرهم... ونعلك من خدهم أكرم، وردد المتظاهرون ضد معاهدة بورت سميث بين الحكومتين العراقية والبريطانية عام 1948 اهزوجة تقول: نوري سعيد القندرة. وصالح جبر قيطانها، والقندرة في اللهجة العراقية الدارجة تعني الحذاء، والقيطان معناها الخيوط التي تشد الحذاء وتربطه، حيث اعتبر العراقيون صالح جبر رئيس الحكومة الذي وقع المعاهدة المذكورة ونوري السعيد عرابها مسؤولين عن عقدها، وكانت النتيجة ان سقطت الاتفاقية وسقط موقعها، من هنا فان منتظر الزيدي هو من جيل عراقي قرأ تاريخ بلاده واطلع على تراثه الوطني في مقاومة الاستعمار ومواجهة الاحتلال، وقد اجتهد في لحظة تاريخية ان أفضل وسيلة واحسن طريقة في التعاطي مع من غزا وطنه ونكل بأهله وشعبه وجاء بالمحاصصة الطائفية والعرقية وحمل المرتزقة والعملاء ونصبّهم رؤساء ووزراء وقادة أجهزة ومليشيات وفرق موت هو الحذاء ، لان مثل بوش وزبانيته يستحقون عن جدارة الضرب بالاحذية، ولعل الرئيس الامريكي وهو يتلقى فردتي حذاء منتظر ربما لعن مع نفسه أحمد الجلبي الذي يفاخر بانه وراء قانون (تحرير العراق) الامريكي السيئ الصيت، وشتم في الوقت نفسه مساعده السابق كنعان مكية الذي زيّن لبوش شن الحرب على العراق قائلا في تصريح شهير ان العراقيين سيهبون بالورود والرياحين لاستقبال الجنود الامريكيين في الشوارع والميادين .

ولعل بوش اليوم في أسوأ حالاته النفسية والعصبية لانه لم يكن ينتظر منتظرا العراقي العربي وهو يكتب أروع مقال بحذائه الاسطورة، ويرد أبلغ رد على الرئيس المتسلل، كان يتوقع ان تكون زيارته الوداعية لبغداد المقهورة وهو يتسلم مكافأته من أشباه الرجال، تلك المكافأة الممثلة بالاتفاقية الامنية الثنائية، الممنوحة له من حكومة المالكي ورئاسة طالباني وبرلمان المشهداني، مفعمة بالمسرات وحافلة بالقبل والمصافحات من أذناب الاحتلال، ولعله ايضا يضرب رأسه بكلتا يديه ندما على زيارته (القندرية) التي يا لسعادة العراقيين والعرب والمسلمين والشعوب والامم الحرة، كانت خاتمة لعهد طاغ ومتجبر ينهي رئاسته بمشهد سيبقى خالدا في الذاكرة عاما بعد عام وعقدا بعد عقد، وجيلا بعد جيل، وشكرا لمنتظر انه أدخل الفرحة في نفوسنا التي هجرها الفرح منذ نيسان (ابريل) 2003 ، وحمدا له لانه أدخل الجزع في قلب العدو المتعجرف بوش، وقد بدا وهو يتلقى قذيفة منتظر مثل فأر مفزوع يبحث عن جحر يهرب اليه، فالقندرة المنتظرية حملت وهي تتجه نحو مجرم الحرب حملت فيضانا من الغضب العراقي وأطنانا من آهات الثكالى والارامل واليتامى، وفضاء لا حدود له من زهو أرواح الشهداء وهم في خلودهم راضون مرضيون، فقد دخل حذاء العراقي العربي منتظر الزيدي من أوسع أبوابه، بينما انزوى بوش في مزبلة التاريخ من أوسخ زوياها، وصدق الشاعر العراقي الذي جاشت قريحته ووزع بيتين من الشعر عبر الجوال دون ان يذكر اسمه وهو يقول: جراحات السيف تنسى من قريب + ولا تنسى جراحات الحذاء - لهذا سوف لن ننسى حذاء + غزا التاريخ في هذا المساء.

ان الدرس الذي أخذه الرئيس الامريكي المنتهية ولايته جورج دبليو بوش من زيارته الوداعية لبغداد، تعطي درسا من نوع آخر الى الرئيس المنتخب باراك اوباما وهو يستعد لتسلم وظيفته رسميا في العشرين من الشهر المقبل، لا بد ان يتأمله جيدا ويتمعن في مضمونه، وعليه ان يستوعب المشهد برمته كرسالة سياسية الى ادارة امريكية جيشت الجيوش والاساطيل وهيأت القتلة والسفلة والمرتزقة لتدمير بلد صاحب حضارة وثقافة وانجازات، وتمزيق شعب عرف بوحدته واصالته وابداعه ونصرته للانسانية، وتقويض دولة قامت بتضحيات وجهود أبنائها، شادوها لبنة لبنة وحموها من الطامعين والحاقدين والغادرين على امتداد أكثر من ثمانين عاما، وعليه ان يدرك ايضا ان أقصر الطرق لانتشال أمريكا من ورطتها العراقية هو الانسحاب من العراق في أقرب وقت، ولا يلتزم بما ورد في اتفاقية بوش- المالكي من مواعيد وتواريخ، لانها لا تعبر عن الارادة الحقيقية للعراقيين ولا تمثل خيارهم الوطني، ولعل طاقم الرئيس المنتخب من مستشارين ومساعدين، ممن تابع ملابسات توقيع الاتفاقية، وراقب عن كثب ردود الفعل العراقية الغاضبة ضدها بات على قناعة بان بوش هدد وتوعد كي توقع في محاولة منه لتعويض هزيمته النكراء في العراق، وفي ضوء هذه الحقائق على اوباما ان يكون بمستوى المسؤولية التي اولاه اياها ناخبوه الكثر من الجمهور الامريكي ويتخذ سلسلة قرارات لن تكون مؤلمة بالتأكيد كما يروج الادعياء والاغبياء وانما لصالح شعبه ومصالح بلاده أولها سحب القوات الامريكية وتعويض العراقيين ما تعرضوا له من قتل وتخريب بسبب الاحتلال، وتركهم يختارون ما يناسبهم من صيغ الحكم والنظام الذي يرتأونه، ولاننا حقيقة لا نريد ان نرى مشهدا مماثلا قد يحدث للرئيس اوباما في زيارة قد يقوم بها الى بغداد لاحقا، ادراكا منا بان الرجل لم يسهم في قرار الحرب وكان من معارضيه وهو ثبت في برنامجه الانتخابي الانسحاب من العراق عكس منافسه الجمهوري الخرف الذي يريد البقاء في العراق قرنا كاملا، لذا ندعوه ان يرمي باتفاقية بوش والمالكي في سلة المهملات ويتخذ قرار الانسحاب عقب تسلم مهامه الرئاسية دون انتظار فترة الشهور الستة عشر التي وردت في برنامجه الانتخابي، ففي ذلك يخدم بلاده ويجنبها المزيد من الخسائر والمزيد من الاموال .

وتحية لزميلنا الشاب وابن العراق البار ورافع الرؤوس والهامات، ومنكس قامة بوش وزارع الخوف في قلبه وراسم الصفرة على وجهه.. ومرحى لقندرة عراقية فعلها أمضى من صواريخ كروز وتوما هوك وطائرات الشبح والاف 16 مجتمعة.