معادلة صعبة لا يمكن قراءتها بشكل بسيط، أو التسرع بإصدار أحكام حول قانون سيصدر، أو أحكام ماتزال سارية المفعول حتى الآن، فالبيئة الإعلامية ربما لم تستقر بشكل واضح حتى يصبح أي قانون قادر على تحقيق "المصلحة" التي تجعل من أي إعلامي يقبل وضع شروط أو حدود على طريقة تعامله مع مهنته التي تصنف على الأقل في دول أخرى من "المهن العليا".

والحديث عن "البيئة" الإعلامية سيضعنا أمام مسألة أساسية مرتبطة بالشرط المهني والبيئة القانونية، وذلك بغض النظر أن أي واقع سياسي آخر، لأن قواعد الإعلام بدأت من الإعلاميين أنفسهم وليس من أي مكان آخر، وهي أيضا ظهرت للحفاظ على مصالحهم وحقوقهم قبل أن تصدر "قوانين" في بعض البلدان لتجعل من الإعلام شأنا مرتبطا بالقانون العام السائد في البلاد، لذلك فإن البحث يقودنا بشكل سريع لتجمعات الصحفيين، أو حتى تنظيماتهم التي تتعدد، وأحيانا تصبح مجرد مؤسسة واحدة.

"البيئة الإعلامية" اليوم ليست واضحة، وعلاقة اتحاد الصحفيين مع المؤسسات الإعلامية تحكم الكثير من التفكير بقانون أو "مجلس صحافة" أو حتى "ميثاق" شرف صحفي، فهذه المؤسسة ليست بحاجة لتطوير بل لتفعيل دورها لأنه الشرط الأساسي كي تأخذ موقعها، والحديث عن هذا التفعيل ربما يحمل مؤشرين أساسيين:

الأول اعتبار الإعلام تحد أساسي في الثقافة الاجتماعية، فهو مضطر للمجابهة مع الحدث بشكل مباشر، وإلا فإن "إعلاما" آخر سيأخذ هذا الدور وهو ما يحدث بشكل أو بآخر اليوم، فسكون "البيئة الإعلامية" هو حالة مرضية، وعدم قدرتها على التماس مع المصالح الاجتماعية هو أيضا دليل آخر على عدم قدرتها على التعامل كمهنة "عليا". ومن هذه الزاوية يمكننا رؤية مسألة التفعيل.

الثاني أن هذه البيئة ووفق الشكل السائد اليوم متراكبة مع جملة من المؤسسات، فمسألة الإعلام ليست فقط "منح" للتراخيص في إصدار مطبوعات أو إنشاء محطات، وهو أساسا أمر مرتبط بالجهاز التنفيذي للدولة وفق قانون المطبوعات الحالي، بل أيضا رعاية لهذا العمل عبر مؤسسات قادرة على تنشيطه بدلا من الحد من حراكه.

عمليا فإن نوعية الاتصالات الحالية ربما دعمت عمليات "الدفق المعلوماتي" بحيث أصبح حجب المعلومات أمر عسير، لكن في نفس الوقت فإن عدم التعامل بإيجابية مع تقنية الاتصالات جعلت من الرسالة الإعلامية محدودة بمفردات قديمة، وربما بعدم القدرة على التأثير الاجتماعي، وهذا الأمر ينعكس سريعا باتجاه "الإعلام" كعامل جذب اقتصادي طالما أننا غير قادرين على اكتساب "سمة جماهيرية" تفتح أبواب الإعلان والاستثمار على مصراعيه.

هذه القضايا هي خطوات أولية أو عناوين للبحث من جديد في البيئة الإعلامية وتمكينها كي تستطيع أن تدخل فعليا في حياة الناس وذلك قبل وبعد صدور أي قانون للإعلام.