كم دولة يزورها نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عشية انتخاباتها البرلمانية؟! هو سؤال مشروع رغم صورة "التوازن" التي أراد أن يظهر بها بايدن، فالزيارة بذاتها تشكل أكثر من مسألة دعم لتيار في ظل انقسام داخل الشارع اللبناني، فإشارات الدعم وصلت سابقا من خلال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والمسألة اللبنانية التي غابت عن "الدائرة" الأمريكية في النصف الثاني من العام الماضي عادت اليوم كبوابة اختبار إقليمية، وسط اختلاط الأوراق وعدم القدرة على إيجاد صورة مستقبلية للأزمات التي تعيشها المنطقة.

عمليا فإن عملية الفرز الحاد التي ظهرت خلال الإدارة الأمريكية السابقة ليست موجودة اليوم، لكن ما يحدث لا يعني عدم وجود خارطة حلفاء وأعداء بالنسبة للولايات المتحدة، فهو محاولة لوضع خارطة يمكن عبرها رسم الأدوار في لبنان، فما يمكن قراءته اليوم من الاهتمام الأمريكي يرتبط بأمرين أساسيين:

الأول سحب المعارضة اللبنانية باتجاه سياسي مختلف، فلا شك أن القنوات الدبلوماسية الحالية والحوارات والموفدين الأمريكيين خلقت إرباكا عاما حول طبيعة المواقف السياسية في المنطقة عموما، حيث شهدنا مبادرات بدون نتائج ابتداء من دعوة العاهل السعودي للمصالحة العربية، ولبنان تاريخيا هو ساحة المصالحة والخلاف، وانتهاء بالموضوع الإيراني والحديث عن وجود "تحالف" عربي "إسرائيلي" ضد طهران، فالمعارضة اللبنانية التي تشعر بالتحول في الظروف الإقليمية على الأقل تواجه أيضا تيارا آخر مازال يلقى الدعم ولو بحدوده المعنوية من قبل الإدارة الأمريكية، فالخط الساخن بين بيروت وواشنطن لم يعد كسابق عهده لكنه على الأقل مازال "يظلل" محيط عمل حكومة السنيورة وتحركاتها.

الثاني استعراض القوة السياسية للإدارة الأمريكية التي مازالت تسير بفعل "القوة الإعلامية" التي ظهر بها الرئيس الأمريكية قبل وبعد الانتخابات. فالمواجهة الحقيقية لم تحدث بعد، وتحركات الإدارة الأمريكية ماتزال تسبح في المنطقة الرمادية دون وجود مساحة حقيقية لأي تحركات تؤسس لإزالة الأزمات، فالتحرك السياسي الأمريكي أصبح أقوى من الحدث، وربما تجاوز الانهيار الأمني في العراق وعدم القدرة على التحرك دبلوماسيا على الساحة الفلسطينية، بينما تظهر العناوين العريضة بشأن غوانتنامو وزيارة بايدن إلى لبنان والزيارة المرتقبة لأوباما إلى القاهرة وكأنها الصور النهائية للمساحة السياسية الخاصة بالإدارة الأمريكية.

إدارة أوباما ترسم "الأزمة" على مساحة ضيقة جدا مرتبطة بأساليب الحوار الكلاسيكي مع دول المنطقة، وهو أمر ربما يشكل مفتاحا للمنطقة، لكن في المقابل فإن الظروف الإقليمية تحولت بشكل حاد، وشروط الحوار لم تعد نفسها وهي أيضا زادت من العوامل الخاصة بالصراع مع "إسرائيل"، وغيرت حتى معطيات العلاقات العربية - العربية التي خرجت عن هدوئها الاعتيادي والاعتراف بالمصالح الخاصة بالنظام العربي الرسمي ككل، فهناك بالفعل "قوى مبعثرة" ربما يسهل اختراقها لكن في المقابل يصعب احتواؤها سياسيا على طريقة إدارة الرئيس الأمريكي.