العالم الهادئ والتجربة الكورية

ما قامت به بيانغ يونغ يقدم مؤشرات على أن صورة العالم باتت مختلفة، فبغض النظر عن الموقف من السلطة السياسية في كورية الجنوبية، أو تصنيفها داخل محور الشر، أو حتى من أسلوب تعاملها المركزي الذي "انتهى" من العالم تقريبا، لكن تجربتها النووية تأتي بشكل يعاكس نمطية "البحث عن الشرعية" داخل النظام الدولي، أو بتعبير آخر التعامل مع "السيادة" دون البحث عن مساحة من التوافق مع القوى الإقليمية والدولية، وهذا السلوك الذي يصنف بـ"الخطر" يحمل وجها آخر مرتبط أساسا برؤية الدولة الكورية لنفسها بغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي.

وبالطبع فإن التجربة بذاتها "فاجأت" العالم وكأنه يراهن على أن قاعدة "البحث عن الشرعية" هي شأن مطلق، فكوريا الشمالية تحدثت منذ شهر تقريبا عن استئناف نشاطها النووي، لكن "العالم الهادئ" لم يقدم أن مؤشر على تحرك باتجاه بيانغ يونغ، فهو على ما يبدو واثق من أن تصنيفاته النمطية كافية لعمليات الردع، وعقوبات "الخارجية الأمريكية" شهادة يمكن إشهارها باتجاه أي دولة كي تتوقف عن سياساتها المستقلة، وهذا "السلوك الدولي" مدعوم عمليا بمجموعة من الإجراءات السابقة التي جعلته يستقر عن حدود التلويح الدائم بـ"العزل" أو "العقوبات" أو "إعادة التصنيف" لتصبح قائمة الإرهاب مقياسا لسياسات الدول.

وعندما تظهر التجربة النووية بشكل مفاجئ فإنها تحمل عددا من الدلالات الأساسية في نوعية التعامل الدولي مع ملفات الدول البعيد عن عضوية مجلس الأمن، ونلمس هنا أمرين أساسيين:

الأول هو ان التوازن الدولي يشهد إشارات استفهام، فالمسألة ليست فقط في "تجربة نووية" بل أيضا في الاضطراب الذي يشهده العالم على مستوى التحكم بالأزمات، فهناك قواعد لم تعد صالحة والاستمرار بها ربما يحمل مخاطر الانجرار إلى صراعات إقليمية تصبح أسد خطورة في حال وجود قوى نووية، وهذا الأمر ينعكس اليوم أيضا في شبه القارة الهندية التي تشهد صراعا مع "طالبان باكستان"، ومع عدم الحسم الكامل لهذا الصراع هناك أيضا مخاطر التحول إلى نزاع إقليمي.

الثاني هو مسألة التحكم النووي، فهو موضوع انتقل من ساحة إثبات التفوق خلال الحرب الباردة إلى ساحة الصراع على النفوذ الإقليمي، فلم بعد "ورقة مساومة" كما كان خلال العامين الماضيين، والولايات المتحدة عمليا استخدمت هذا الموضوع لـ"اجتثاث" خطره لكنها على ما يبدو جعلته نتيجة حربها في العراق جزء من "الحضانة الوطنية" ليس في الشرق الأوسط بل أيضا في عالم يتحول بشكل سريع.

كوريا الشمالية وبهدوء شديد قامت بتجربتها النووية وفق إمكاناتها المحدودة، و "العالم الهادئ" يبحث اليوم عن سياسات اتجاهها لكنه في النهاية ربما سيستمر بصياغة تصنيفاته ولوائحه حول.. "الدول الداعمة للإرهاب"....