ربما لأتذكر سلسلة من السنوات التي رافقت مراهقتي، أو قدرتي على الاقتناع الكلي بأن الحياة ستكون ممكنة مع ضوء إضافي أو جهد مضني يحيلنا لنوع من الوميض، فعندما يبدأ تموز أتلظى، وأبحث في الأفق عن مساحة فكرية إضافية كي يمتد عقلي إليها، فأنا لا أرض بأن يقف الزمن عند لحظة شهادة... أو تصبح الكتب المكدسة أمامي مجرد تاريخ علي تذكره كل عام....

في ذروة الحياة التي خطفتني كنت أدرك أن الرهان الذي اخترته يبدو داخل أفق مسدود، لكنني أهوى المسائل المستحيلة، وأعشق تكسير الحدود التي جعلتنا نتوقف عند زمن سرمدي نختار نقطة بدايته كما نشاء، وربما علي الاعتراف بأن "التكسير مازال مستمرا دون أن أصل للأفق الذي اختارني يوم حلمت بحرية الوجود كما أنا أو كما تريدني الأرض التي أنجبتني.

كم كان الرهان قاسيا... وكم من الصور تحطمت فوقي، أو جعلت مني أتردد للحظات، لكنني مازلت أرى أمامي طيفا من الألوان يشدني نحو رحابة لا تحملها الشهادة فقط بل أيضا بقاء الآخرين وهم يرون أن الفضاء قادر على استيعاب انطلاقة الفكر، أو صحوة الإبداع ليعيد رسم المدينة والبلد على شاكلة الأمل الملون بوجوه من عشقناهم.

ربما كانت حياة حزبية ودعتها... لكنها جعلت جبيني يتطلع نحو المستقبل، فأعرف أن خيار الحداثة... خيار التحليق في الغد... وخيار بناء عصر "أنوار" لنا سيكون قاسيا وممتعا، وسيحمل تقطيب جبين وغبطة في القلب، فهو خيار المتناقضات التي نرتبها حتى تكتمل اللوحة التي نريدها، أو نبني "مواطنة" تتسرب للجميع بفرح يجعلنا قادرين على الاستمرار.

ستخطفني كلمات الثامن من تموز، فأتوارى بعيدا عن "مهرجان" من الكلمات التي تتقيؤني، أو أحاول أن أبتلعها مرغمة، ثم أبدا رحلة التفكير من جديد لأن التاريخ لا يعيد نفسه، ومساحة الفكر لا يمكنها أن تحد نفسها بتاريخ فقط، ولأنني مقتنعة بأن الحياة أرحب من "مهرجانات" تنتقل بين المدن، ثم تستقر على جغرافية صفراء.

سأبقى مع رهان "التنوير"، ومع احتمالات الوصول للمستقبل بدلا من تكرار الأزمنة، وسأحاول تحمل الكلمات التي أصبحت طنينا بعد أن حولها البعض لناقوس يدق في المناسبات، فشكرا لمن كان قادرا على جعل دمي يغلي في كل لحظة فأسير دون أن أهتم بالضبابية التي ترسم الأحزاب وكأنها عاصفة تهب حولي... وشكرا للتواريخ التي أصبحت تتفوق على نفسها فتتجاوز مساحة الاحتفال وتذكرنا بكل انواع الفداء من غزة إلى جنوب لبنان وإلى العراق وتستقر في النهاية وسط شوقنا للانطلاق من جديد.