رئيس الوزراء التركي يختتم الأسبوع السياسي السوري، وزيارته غدا تحمل مؤشرا إضافيا على وجود آلية سياسية تنتقل إقليميا دون ان تلامس حدود الأزمات، حيث يبدو ان "الحلول المتنقلة" ما بين العواصم العالمية تضع حدودا لاحتمالات السلام بينما يبقى التلويح بالقوة موجودا ولو على الجانب الإسرائيلي، فالحركة السياسية اليوم ليس للتهدئة بل لسبر عوامل التوازن الإقليمي، وقراءة المعادلة الشرق أوسطية في ظل "هدوء" إيراني، وترقب داخل "الأجواء" العربية.

وبالطبع فإن المباحثات التي شهدتها دمشق منذ نهاية الأسبوع الماضي وحتى اليوم لا تحمل سوى قراءة "لإمكانية" التحول داخل الدوار الإقليمية، فعلى الطرف الأمريكي هناك إقلاع مازال متعثرا في موضوع التسوية، أما موسكو فتريد إحياء مؤتمرها الخاص، ومعرفة إمكانية التمثيل بالنسبة لسورية وحتى للجانب الفلسطيني أيضا، والاتجاهين الأمريكي والروسي يفترقان في نوعية التعامل مع الأزمة، رغم انهما يلتقيان في "العبور" إلى مساحة الأزمة "المجمدة" حاليا سواء في "التسوية أو في الموضوعين اللبناني والعراقي، وعندما يصل رئيس الوزراء التركي فإننا سنشهد أيضا عاملا جديدا يمكن ملاحظته في أمرين:

 الأول أن التحرك الأمريكي حتى ولو ظهر حذرا في طرح المبادرات، لكنه في نفس الوقت يرى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ظهور عوامل مفاجأة، فالإدارة الأمريكية ستجد نفسها في موقع حرج فيما لو قامت "إسرائيل" بضربة استباقية ضد إيران، ورغم أن هذا الأمر ربما يبدو بعيدا لكنه ممكن في ظل عدم الحسم في هذا الموضوع، وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى مواصلة تحركها بين عواصم الشرق الأوسط رغم عدم وجود أي "بوادر" متعلقة بالتقدم نحو التسوية، فهي تريد استيعاب "جانبي الصراع"، والتحرك التركي ربما يساعد في بلورة نوعية أي خطوة مستقبلية وعلى الخص بالنسبة لسورية.
 الثاني مرتبط بالحرص على مسألة الأمن الإقليمي، وأنقرة رغم عدم إبدائها أي قلق واضح لكنها بلا شك بدأت تتعامل بحذر مع المستجدات الحاصلة، فهناك تطورات عراقية وإيرانية ربما تدفع "إسرائيل" للعب من جديد بـ"التوتر" ليس فقط بضرب إيران بل أيضا بممارسات حدودية في لبنان، أو حتى ضد دمشق طالما انها لا ترى أي فرصة للسلام معها حسب تعبير قادتها.
عمليا فإن الحراك الدبلوماسي أوضح أن الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي التي أرادت تجميد الأزمات، لكنها تواجه احتمالات مفتوحة لتصاعد التوتر حتى على صعيد النظام العربي نفسه، فجمود المصالحة العربي يحدث وسط واقع متقلب، والأدوار الإقليمية التي لم ترسم من جديد بقيت مصدر قلق لـ"إسرائيل" بالدرجة الأولى، فهل يعني التحرك التركي محاولة إيجاد خرق وسط هذا التكوين؟

رغم عدم وجود معلومات كافية لكن الواضح عبر عدة تقارير أن أنقرة هي الأكثر حساسية بالنسبة للأمن الإقليمي وهو ما يجعل زيارة أردوغان محطة أساسية في تقييم مجمل التحرك باتجاه التسوية أو حتى في الملفات الملتهبة من بغداد إلى غزة