احتواء الأزمة بين بغداد ودمشق ربما لا يعني الكثير، فهي أساسا موجودة ضمن "الاختلاط" الذي حصل منذ احتلال العراق، دون أن يعني الأمر أن الوضع السابق للاحتلال كان أفضل، لكن ما يحدث اليوم وإن كان تكرارا لسيناريوهات قديمة، إلا أنه يحوي عوامل إضافية تجعل مسألة "احتواء" الأزمة مجرد إجراء لا ينهي "التوتر" مستقبلا.

ففي الأزمة الحالية يمكن قراءة تفكير سياسي في رسم علاقات مختلفة مع دول جوار العراق، ورغم ان تركية والعراق سارعتا في تحركهما الدبلوماسي، إلا أن باقي الدول، علما ان بعضها يحوي معارضين عراقيين مثل الأردن، بقيت صامتة أو ربما ترقب ما يحدث، فالعلاقات السورية - العراقية لم تكن يوما مرتبطة فقط بقدرة البلدين على التحرك، او على رسم أجندة لمصالحهما، فالخارطة العراقية وربما السورية أيضا أعقد من ان تبقى بشكل مستقل أو معزولة عن العوامل الإقليمية الأخرى، وإذا كان التاريخ المعاصر يتحدث عن "صراع حول سورية"، فإن ما يحدث الآن هو صراع حول "الأدوار" في الأزمة العراقية" لأن البعض يعتبرها مفتاحا للتعامل مع الشرق الأوسط وفق صورته في مرحلة ما بعد احتلال.

عمليا فإننا سنلمس إضافة للأدوار التركية والإيرانية وحتى السورية محاولات مصرية تظهر على المستوى الدولي، فصداع العراق ينتشر إقليميا كنموذج خاص من الصعب التحكم به ومن جهة أخرى لا يمكن ترك "دورها" دون حدود أو وضع دوائر لما يمكن أن يحدث مستقبلا حتى مع "عراق محطم" نتيجة الاحتلال.

الفكرة الأساسية التي ارتسمت في السنتين الماضيتين هي إمكانية التعامل مع شرقي المتوسط بآلية تعزل الأزمات التي تستند إلى استراتيجيات خارجية، فاستطاعت تركية أن تلعب دورا إقليميا خاصا رغم انها عضو في حلف الناتو، وتجاوزت سورية كل محاولات الحصار في علاقاتها مع تركيا وإيران وحتى العراق، وهو ما شكل التصور الذي ظهر حول التحالف الرباعي، وهو صورة لنوعية الأمن الإقليمي طالما أن هذه الدول تتعامل بأدوار متسقة وسط اضطراب دولي وقضايا إقليمية أصبحت تملك سجلات طويلة داخل الأمم المتحدة، في وقت تظهر فيه الأدوار الأخرى (المصرية وأحيانا السعودية) ضمن آلية جمع الأزمات في سلة واحدة، واعتبار أن الجبهة الشرقية للمنطقة هي الأخطر، وهو ما شهدناه على الأقل في حرب 2006 وفي حرب 2008 - 2009 في غزة.

الصورة الحالية تحاول أن تكسر الشكل الإقليمي الحالي لحساب التحالفات وعبر البوابة العراقية، والوساطة التركية أو حتى الإيرانية يمكن أن "تحتوي الأزمة" لكن من الصعب أن توقفها طالما أن التخوف من اللاعب القادم (العراق) سيغير من الخارطة الإستراتيجية هذا إذا تمكن من نسج علاقاته من جديد مع إيران وسورية وتركية.

طوال مرحلة النظام العراقي السابق كان هناك أزمة مع كافة الدول المقترحة اليوم فيما يعرف بـ"التحالف الرباعي"، وهو شأن انفجر لاحقا عبر احتلال الكويت لتدخل العراق في أزمة مع "جغرافيتها" أو ربما ليتم "شطبها" من المعادلة الإستراتيجية، لكن هذا "التحالف" سيظهر ضمن التخوف من أي عملية تقسيم، وربما سيجابهها لأنها ستنعكس عليه بشكل مباشر وسريع، وهذا المستقبل هو ما يتم رسمه اليوم عبر تفجير الأزمات أو حتى تخطيط "العلاقات" داخل المنطقة.