على عكس العقود السابقة يبدو أن الأردن أكثر دول الشرق الأوسط "قلقا"، رغم انه ومنذ احتلال العراق لم يتعرض لضغوط حقيقية، أو حتى لم يتأثر بالتحول الديمغرافي نتيجة عملية اللجوء التي حدثت بعد الاحتلال، لكن مسألة الأردن أعقد من مجرد البحث عنها في التحولات المباشرة، لأن أزمة الشرق الأوسط نفسها أخذت شكلا جديدا، وتبدو القمة السورية - الأردنية اليوم تسير في هذا التصور، الذي يجعل من أي توتر شرق أوسطي يدخل في عمق صورة الأردن في علاقاتها مع دول الجوار.

عمليا فإن مشاريع "الشرق الأوسط" التي ظهرت منذ عام 2000 كانت لا تتوقف كثيرا عند الأردن، لأنه من وجهة نظرها "المصب الفلسطيني"، وهو ما يعني أن أي تسوية بدون حق العودة ربما تتحول باتجاه الأردن كخيار أساسي دون أن يكون بالضرورة وطنا بديلا، لكن صورته الأساسية ربما تتحول باتجاه جديد، وبنفس المسار فإن الحديث عن مستقبل العراق أو عن حزمة حلول تشمل العراق ولبنان وفلسطين وحتى إيران سيجد الأردن نفسه فيها عبر الأدوار التي يتم التعامل معها مع دول الشرق الأوسط عموما، والقمة بين الرئيس بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الثاني ستقف عند هذه الحدود في مسألة الأدوار الشرق أوسطية، حيث نلاحظ أمرين:

الأول أن الأردن المحسوب دوليا على "دولا الاعتدال"، لم يدخل في السنوات السابقة في الصراع العنيف حول "الشرق الأوسط الجديد"، وربما نقلت العديد من التقارير عن حسابات خاصة كانت تتعامل معها "عمان"، ورغم أن البعض تحدث عن دور لها في لبنان باتجاه "المولاة"، لكن هذا الأمر لم يظهر داخل الحسابات السياسية مع سورية، وهو مؤشر عن عدم الارتياح الأردني للآليات السياسية التي تمت خلال المراحل السابقة والتي كانت تعني محاصرته بثلاث أزمات سياسية: سورية، العراق وفلسطين.

الثاني مرتبط بطبيعة الدور التركي الذي حمل معه تحولا على المستوي الجيوستراتيجي، فهو ليس دورا إعلاميا بل إعادة ترتيب مصالح داخل المنطقة، وبشكل يوحي أن هناك "استقطاب تركي"، بقي مستمرا رغم أن الإستراتيجية الأمريكية أصبحت أكثر هدوءا. وبالنسبة للأردن فإن هذا الدور كان يعني أن المعسكرات التقليدية داخل الشرق الأوسط تشهد تطورا، ولم تعد الدول التي وقعت على اتفاقات مع "إسرائيل" قادرة على التحرك بنفس الطريقة السابقة، طالما أن هناك دولة إقليمية تملك علاقات مع "إسرائيل" تتحرك بشكل دائم على محور التسوية.

زيارة العاهل الأردني إلى دمشق تأتي قبل زيارة الرئيس الأسد إلى تركية، وهي أيضا ترافقت مع تأجيل اجتماعات اللجنة السورية - الأردنية المشتركة التي اعتبرها المحللون نتيجة تصريحات رئيس الوزراء الأردني في بغداد، لكن الملاحظ أيضا أن ما حدث تم إدخاله في سياق التوتر في العلاقات الإقليمية، لكنه انتقل سريعا ربما ليؤكد عبر زيارة العاهل الأردني أن العلاقات الإقليمية لم تعد كما كانت في بداية الثمانينات، وأن حدة الاستقطاب الإقليمي تحولت باتجاه سياسي، وذلك مع استثناء حكومة المالكي التي استخدمت الزمن القديم والخطاب التقليدي.