من لا يعرفهم؟!! هم المقادسة القادرون على رسم ملامح "ثقافية" عبر الزمن، وهم القادمون منذ قرون ليقدموا عمرانا جديدا في حي "الصالحية" بدمشق... لكن المقادسة اليوم يعيدون تشكيل الثقافة بدلا من السياسة، فـ"الأقصى" يبدأ وينتهي في مساحة التواصل بين الأمس واليوم، وربما يتجاوز "حرمة" المسجد المعتادة ليجعل "الحرمة" على مساحة وطن يمكن أن نكونه بكثير من الحرية أو "العناد"... نكونه بألوان العشق الذي نريده وأردناه كمساحة مفتوحة للقدس...

المقادسة ليسوا رموزا... هم بشر رسمهم القدر داخل جغرافية قادرة على استيعاب المحبة التي تختصر الطريق بين الأقصى وكنيسة القيامة، ثم تضع إشارات استفهام أمام الحدث السياسي أو التاريخي، وتترك صور الأطفال محفورة على "المسجد العمري"، فعندما نفهم المدينة ربما نستطيع معرفة ما يحمله "المقادسة" داخل قلوبهم، أو في تراث بقي يدفعهم لرؤية القدس ضمن اللون الذي يعيد تشكيلها في كل لحظة، فتبدأ انتفاضة أو تنتهي، ويظهر عدوان او ينحسر، أو يكتشف البعض أن خيالات "الهيكل المقدس" هي مجرد حكايات لليل طويل، فمن يختبر المدينة يدرك أنها لا تنام على التاريخ، ولا تستيقظ على ألوان التطرف التي تريد اختصار الزمن بطيف واحد من المرويات اليهودية.

هي في النهاية حلم جديد، يظهر كلما أراد البعض أن يجعل عمرانها على سياق واحد، فعندما يظهر الأقصى أو قبة الصخرة أو حتى كنيسة القيامة فإننا نعرف أن القدس هي "تكوين حر"... وأن تبديل الهوية سيجعلها على سياق "الكوابيس" التي أحاطت "القرون الوسطى" بأسوار من التجمعات الضيقة أو التفكير الذي ينتهي عند حدود الحجر.

ربما يخاف البعض على الأقصى، لكن القلق الذي يطوف في فلسطين هو في النهاية يشمل الصورة المكتوبة عبر الزمن فوق "جدار" بات أضيق مما تحتمله المنطقة، وأصبح يغلف الأفق الذي اعتدنا أن نتبعه حتى نصل إلى القدس أو رام الله، أو نسير باتجاه غزة، فحواجز التفتيش تنبش أفكارنا، وتريد رسم خطوط رمادية على التوزع الذي يتحول كل يوم في أرض اعتادت الحرية.. أو اعتادت أن تحول العالم إلى رموز تجتمع فوق مدينة واحدة...

المقادسة محفورون في الذاكرة... والمقادسة منتشرون في ملامح العمران الذي جعلهم يتنقلون ما بين دمشق والقدس ويضعون لون الحرية في "المدرسة العمرية".. والمقادسة يعيشون في كل لحظة داخل نبض الحياة لطفل يولد في دمشق، لأنهم كانوا معنا في ذروة الأزمة... المقادسة هم الأقصى وكنيسة القيامة، وهم رصيد سجله حي "الصالحية" الدمشقي.. وهم على يقين بأن مساحة الحرية لن تنحسر في القدس لأنهم موجودون فيها... وموزعون في حاراتها... هم مقادسة رغم الاحتلال.