ثقافة يمكن أن تبدل من معالم الوجوه، ثم تعيد كتابتنا على الأرض من جديد، وتتحول في كل لحظة لا نشعر أننا تآلفنا معها، لأنها تزرعنا وسط القلق، وتنساب كسيمفونية متجددة لا يتكرر انعكاسها على صفحة أسمعانا، فهي ثقافة لم تولد بعد.. نحلم بها لكنها تبقى نوعا من الحلم البعيد، فكلما قررنا انتظار مسلسل درامي اقتنعنا مجددا أن علينا اللحاق بها لأنها الشكل الذي سيحولنا إلى كتلة مشاعر.

ليس بمقدور أحد أن يفتح فجوة باتجاهها، أو يزيح الغشاوة المفروضة بفعل التكرار والعادة عن جلدنا وبصرنا، وربما عن قشرة العقل المتخشبة والمتداخلة مع الصور المألوفة، فإذا بدأنا بحرف في أول السطر عرفنا إلى ماذا ستنتهي الصفحات، وتخيلنا شكل الملل الذي سيرافقنا ونحن نقرأ جملة خلف أخرى، ونتذكر مع إيقاع الكلمات الرتيب دروس القراءة في المرحلة الابتدائية، ومسابقات "مواضيع الإنشاء" التي يتم تلقينها كي نستطيع "حصد" العلامات والدرجات في آخر العام.

ثقافة بلا خيال تكتفي بلون واحد ورجل أو انثى واحدة... وثقافة دمجت ذاتها مع إيمانها، فاقتنعت بوحدانية الله و "المشاعر"، وأصبحت تقف عند حد لا يتم تبديله، وعندما تتطاير الشظايا لحظة اختراقها من قبل أي مغامر ندرك أن حجم البريق خلفها فيه الكثير، أو أنه بالفعل "الفردوس المفقود" الذي يبحث عنه الناس.

هو مجرد حلم يعاكس اقتناعنا بأن الغطاء الأسود الذي يحمي "عفة ثقافتنا" هو ليس أكثر من وهم يحاصرنا ويزيد من تمسكنا بما هو قادر على إزاحة القلق... لكن علينا أن نقلق... علينا أن نفكر أكثر... أن نرسم خلفنا وأمامنا دوائر ضوء تقنعنا بأننا قادرون على تكسير الحواجز والتخلي عن كل ما هو مطلق يسكننا من لحظة الولادة....

ثقافة بلا قناعات أو حدود... هل هذا حلم يبقى في فضاء المستحيل... وثقافة تتحرك على مساحة مرتجة لا تستقر بل تجعل وجوه نساء حمراء وتنبع حيوية، وتترك عيون الرجال تحت شعاع فضي مستمر يجعل من الحياة أعمق ومن العشق أشمل ومن الثقافة الجديدة أمواجا تتسارع لتداعب الخيال.