الحدث يبقى على الهامش، فالتركيز السياسي اليوم هو في احتمالات الحرب وليس المصافحة، ولكن ما حدث في "ندوة" ميونخ بشأن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط تقدم "الخلفيات السياسية"، فليس هناك رمزية للمصافحة أو حتى للتبريرات التي قدمها مدير الاستخبارات السعودي السابق، وفي المقابل يبدو أن ما يحدث ليس له علاقة بأي شأن رسمي، فالندوة أساسا خارجة عن سياق "الأمن" الذي يعيشه "سكان الشرق الأوسط".

ورغم كل مبررات عدم النظر بجدية لما حدث إلا أنه يقدم نظرة مختلفة عن السياسة المتبعة في التصريحات الرسمية، وهو أيضا مؤشر على ان الصورة الحالية لكل مسائل النظام العربية ليست بالضرورة تملك واقعا ملموسا، وربما علينا ربط ما جرى بالندوة مع التطورات التي ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية بين سورية و "إسرائيل"، لأن التبرير الذي قدمه تركي الفيصل لعدم جلوسه إلى جانب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي شكل نوعا من الاستدراج إلى استعراض سياسي مناقض تماما للأجواء التي تشيعها "إسرائيل" في المنطقة، وهو يملك نوعا من التفكير السياسي المعاكس لكل التوتر الذي يسود رغم الحديث عن "تهدئة خواطر" قادمة من واشنطن.

عمليا نحن امام ظاهرة مرتبطة أساسا بالمنتديات سواء كان في دافوس حيث ظهر عمر موسى مثل المغلوب على امره امام غضب رئيس الوزراء التركي، أو في ندوة ميونيخ عندما يبدو تركي الفيصل في وضع المدافع عن موقعه لأنه لم يجلس إلى جوار نائب رئيس الوزراء الاسرايئلي الذي كان قبل ساعات يهدد بتدمير المؤسسة السياسية في سورية، ويبقى السؤال هل هناك حاجة للتبرير وسط واقع من تطور الاستيطان؟ وهل بالإمكان فهم ما قام به سوى بأنه عدم استقراء لقوة الدبلوماسية بدلا من إظهارها بموقف المتردد وبان ما يحدث لا يشكل أي فرق عن المسؤولين العرب الحاليين أو السابقين؟

المسألة ليست فخا "إسرائيليا" بقدر كونها عدم وضوح الرؤية لدى عدد من العرب ممن شغلوا مناصب حساسة، فقرار المشاركة بمثل هذه الندوة تقتضي على الأقل تكوين رؤية سياسية مرتبطة بالموقع الذي تريد ان تشغله الدول في مسألة "الأمن والاستقرار" في الشرق الأوسط، والمشاركة إلى جانب "إسرائيل" تقدم إيحاء قويا على الإقرار "بنظام امني" يرى إسرائيل دولة تتصرف بشكل عادي، وأخيرا فإن مثل هذه المشاركة وعبر جلستين تقدم انقساما في مفهوم الأمن قام "تركي الفيصل" تصحيحه وفق سياق يقدم مفهوما غامضا لمسألة الأمن.

المصافحة ليست لغة تعبيرية في مثل هذه المواقف، لأن المهم ما سبقها في اعتبار "تركي الفيصل" أن الأمر متعلق بـ"الفظاظة" التي تمت تجاه السفير التركي في "إسرائيل"، أما الأمور الأخرى الخاصة بالحقوق والاستيطان والقتل والتهديدات الحالية لسوية في شأن عادي على ما يبدو، وفي المقابل فإن الموقف من العدو، الذي لا يزال عدو رغم مبادرة السلام العربية، فهي امر ربما يسقط وسط مهرجانات لا يصل منها صور الصور الفوتوغرافية للمشتركين...