كان بإمكاني اعتباره ضوءا يخترقني أو يعيد تركيب وجهي من جديد، ففي المساحة المرتبطة ما بين الحياة الجديدة والقديمة هناك ما يشدني وينفرني ويتركني أخربش على مساحة التفكير القومي، فأشعر بأن الحياة أصبحت خانقة، وأن الحرية التي كان علي امتلاكها تم اغتصابها منذ كنت مراهقة، فتاهت البراءة داخل ادعاءات "الحياة الجديدة"، أو تقلصت لتصبح مسرحا لـ"النظام الجديد".

في الأول من آذار يمكنني تجاوز "الإشارات التي أراد البعض وضعها لها، أو تكسيرها لأنها كانت تخنق الضوء الذي ضربني، وتتعدى على "كون الحرية" الذي كنت أسبح فيه لمجرد التفكير بأنني لم أعد ملزمة بالإشارات المرسومة حولي، فهل اختلفت الصورة، أم ان الحرية تبقى قادرة على التمدد دائما، والخروج من الزوايا التي لم أكن أحلم بها؟!

وآذار ليس تاريخا لأن الحرية رفضا لمدرسية التاريخ ولمنهجية التراث في كتابتنا على شاكلة "الأوائل" و "الرواد" و "الصحابة" والألقاب التي أصبحت تزين اليوم كل من يتوهم بأنه دخل "آذار" فأصبح حبيس حزب أو فكرة أو ثوابت لا يمكن أن يتحرر منها، وأصبح التفكير القومي له مجرد شرعية لقناعات ربما تدعوه للشك أحيانا لكنه يستغفر "المؤسس العظيم"، ويعبر من شفافية الحدث إلى "عصر التدوين"، وينتقل نحو التصور المسبق فيستقر على وسادة النهضة أو يغفو فوق سرير الحياة الجديدة، ويبقى دون الصور التي تتجدد مع الأيام ومع عودة آذار بأشكال مختلفة.

ولأنه زمن القسوة فإن آذار لم يكن سوى انفعال وحيد ثم يبدأ البحث، ويصبح القلق السيد الذي يدفع العقل، وهل الحرية إلا قلقا؟ وهل مساحتها منتهية عند حدود يمكن ان تمنحنا هدوء؟ لا أعرف لماذا تشكلت الحرية على سياق آذار بألوان لا يمكن أن تستقر في العين، فتتبدل في كل لحظة، فتدفعني نحو التجاوز والتكسير، وباتجاه تحطيم الحروف والكلمات، فأحلم بلغة تتمدد وفق ألوان الحرية وعلى شاكلة آذار الذي يوحي بعدم الانتهاء.

يمكن القفز فوق التاريخ، أو اعتبار المناسبة حالة من اعتياد الأيام، لكن لحظة ملامسة الحرية حالة لا يمكن أن تبقى ساكنة، او تتركني أغفر لمن يري اغتصابها من يدي، ووضعها في دائرته المنتهية ليصبح سيدا على كل الأجيال التي لم تولد، فيعيد للتاريخ أساطير الأولين وذكريات التأسيس، فيكبل نفسه ثم يدعى بأن القاموس لديه وأن معاجم التفكير انتهت، فما الفارق بين ابن تيمية ورجالات الأحزاب اليوم؟ أو حتى ما الذي يدفعنا للاقتناع بأن الفكر ملك لأشخاص.....

حرية البحث... التفكير... العبث مع من يدعي الكمال والقفز فوق حواجز الكتابات التي وضعت قبل أكثر من نصف قرن، فهل آذار غير تجاوز لنمطية بقيت تجلدنا منذ فجر التاريخ؟!