أبعد من تحليل سياسي فالرياضة تبدو في مساحة غريبة يتداخل فيها البحث عن "الدور المنظم" و "المتعة"، بمسائل أخرى اقتصادية بالدرجة الأولى، فنحن اليوم نتحدث عن حقوق بث وعن منافسات لاستضافة المباريات القادمة، وأدوار إعلامية يقوم بها البعض في مساحة من استرخاء السياسة أو استعجال الحدث للوصول إلى نتيجة.
لكن إذا كان لنا أن نرى بعض الصور في المونديال فإننا لا نستطيع رؤيتها خارج الخارطة العالمية، ليس من الناحية السياسية، بل في المشاهد التي تبدو أنها باتت بعيدة عن تصوراتنا، فمسألة المونديال والألعاب الأولمبية تسير حسب رأي البعض خارج السياسة، بينما يسعد آخرون في رسم صور سياسية لها حتى ولو بدت بعيدة عن "الواقع"، لكن في النهاية هناك أعلام دول ترتفع، وهناك أيضا "منتخبات عريقة" يبدو وكأنها حجزت موقعها الدائم في المباريات منذ تأسيسها.
المونديال الحالي هو الأول في أفريقيا، وفي الدولة التي كان حزبها الوطني مدرجا على قائمة المنظمات الإرهابية، ولم تلغه وزارة الخارجية الأمريكية من لوائحها إلا قبل سنوات قليلة، وهذه الدولة التي عانت من "الابرتهايد" بقيت مجال رهانات في قدرتها على تنظيم المونديال، وهي مراهنة تدخل في إطار الرهان على المجتمع نفسه وليس فقط على قدرة المنظمين، ولكن في النهاية ظهر المونديال في صورة إنسانية أو عاطفية مع عدم قدرة نيلسون مانيدلا من الحضور بسبب وفاة حفيدته.
هل كان هذا الحادث مجرد مصادفة، أو أنه قانون داخل الدول التي تريد ابتداع مسيرتها؟! هو مجرد سؤال تائه في مساحة جنوب أفريقيا التي تمت إدارتها وكأنها "مؤسسة كبرى"، رغم وجود كل أشكال الدولة فيها لكن صورتها كانت مرتبطة بـ"الغريب" الذي يأتي ليزرع لينسف الماضي لصالحه وليس ليضع مسارا جديدا لحركة المجتمع، فهو الغريب الذي جاء "مستثمرا" وانتهى حاكما.
بالطبع فإن المونديال مناسبة للعيش فوق هذه الأرض أو التماس معها، سواء تعافت من عهود "الابرتهايد" أم بقيت مربكة بعد أن تم اقتطاعها من "نظامها الاجتماعي" ووضعها في نظام يشهد عليه الجميع بأنه "فصل عنصري" صمد عبر الأزمنة وكأن العالم لا يرى أو يسمع، وفي النهاية هي مناسبة للتذكير أن "إسرائيل" كانت الدولة التي بقيت على اتصال "حميم" مع ذلك النظام، وكانت أفضل مستثمر في تلك البلاد.
المونديال حدث رياضي لكننا لا نستطيع أن نفصله عن جغرافيته اليوم، لأن جنوب إفريقيا ليست نموذجا بل حياة مستمرة حتى اللحظة، فالفصل العنصري ليس أزمة تنتهي بل ظاهرة ربما علينا تذكرها في ذروة الحدث الذي يناقض كل تطرف العنصرية.