مشاهدة فقط لبعض الصور التي تحيط بنا، فالثواني التي تمر بشكل عابر لم تعد تترك أمامنا ألوانا خاصة، وحتى المدينة أصبحت عاتمة في عز الظهيرة، والأمر مجرد عدم قدرة على الخيال والعشق، فكل الصور هي انطباعتنا عن الأشياء، ولا تعكس بالضرورة نوعية الجمال الذي تحمله، وتبدو المدينة أيضا مثقلة بالمركبات التي فقدت إبهارها بعد سنوات من قدرة الناس على اقتناس السيارات، فهل وصلنا إلى حافة الحيادية تجاه تفاصيل دمشق؟
هو مجرد سؤال من أجل صياغة العلاقة معها لأنها المكان الوحيد القادر على استيعاب نشاطنا أو تحمل الضغط السكاني الذي يدوس عليها بشكل يومي دون أن يدرك أنه يقف على كل من مروا وربما سجلوا عشقهم على أرضها... هي حساسية المدينة أو حتى قدرتنا على سماع أوجاعها وهي تسجل شواهد من من تاريخ عشاق أو مفكرين أو حتى "مفسدين" في الأرض، لكنها في النهاية مرسومة كما نريدها نحن وليس كما يجب أن تكون أو تحب أن تكون.
وليس مبالغة لأننا لا نعشق إلا من خلال المدن، ولا نستطيع ابداع تعبير جديد دون التوقف في الأزقة وسماع الضجيج وأعمال البناء التي تحيط بنا، وفي تلك اللحظة سنحن بالتأكيد إلى الهدوء الذي يستطيع حعلنا قادرين على الإصغاء لأصواتنا الداخلية ولقدرة الأرض أو دمشق على تسجيل ألحانها الخاصة بعيدا عن الاختناق المروري، فمن اللحظة الأولى كان بإمكاننا أن نعرف حجم التحولات التي يمكن أن نضيفها على المدينة بدلا من أن تضيفها هي على شخصياتنا، فنصبح مواطنو مدن بدلا من مهندسي تجنب الحفر والازدحام وحتى الهدير الذي ترسله سيارة عابرة.
هل علينا أن نعشق المدينة ونعيد وضع ألوان جديدة عليها... هي مجرد تهويمات مختلفة لأننا في النهاية جزء من الصور التي تمنحها المدن لنا وعندما لا نستطيع عشقها يبدأ الزمن الذي يصبح فيه كل شيء ممكن وتتحول الطرقات لمجرد أماكن انتقال بعد أن كانت دروبا يمكن أن نتحول فيها إلى دقائق متحركة باتجاه الحب أو الخصب أو توليد مدن لا تعرف اللون الرمادي.