لن أنطلق من افتراضات لأن الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس حتى اللحظة تنتقل جغرافيا، وفي بعض الأحيان تنبهنا إلى أن مسألة "الشفاية" ربما تضيع إذا بقي الأمر مجرد كم من المعلومات، أو حتى لم تظهر "حملة" ما تساند ما ظهر من "تسريبات"، لكن الواضح أن موضوع "الوثائق" بذاتها هو "الهم" الأكبر الذي يطفو على سطح "ردود الفعل" أو حتى نشرات الأخبار، فكافة ما تم نشره بدأ ينزاح باتجاه آخر، لكنه على الأقل شكل "ظاهرة إرباك" داخل محيط الأزمات وخصوصا في الشرق الأوسط.

ما يمكن أن يتم قراءته اليوم في هذه الوثائق هو فيما إذا كانت تحمل "سياقا" أم أنها بالفعل مجرد تكريس لما يوضحه موقع ويكليكس في رسالته والمرتبط أساسا بـ"الشفافية"، وبما أن التحليل يقودنا بشكل دائم للتركيز على ترابط "الأحداث" في زمن "واحد" فإننا مضطرون للنظر في ثلاث احتمالات:

الأول هو أن تلك الوثائق لا تحمل "البراءة" المتوقعة، فعمليات التصفية التي تمت عليها جعلتها في الشرق الأوسط تركز على موضوعات معينة وعلى الأخص الاحتكاك السعودي - الإيراني، أو حتى عملية الفرز على أساس محورين، ولكن هل يمكن فهم هذا الأمر بطريقة مغايرة؟ فتفسير الوثائق يمكن أن يتم وفق طريقة التفكير التي ننظر بها إلى السياسة، فما فعلته تلك الوثائق ربما لا يكون أكثر من وضع مرآة لمشاهدة "الساحة الدبلوماسية" التي نعرف نتائجها قبل أن نرى أي شيء.

الثاني أن الزمن الخاص بأزمات الشرق الأوسط وصل إلى ذروة مساره الحرج، وهو ما يجعلنا نرى الوثائق على أنها الخط الذي أوصلنا إلى الحقيقة، وفي المقابل فإن هذا الأمر لا يبدو واضحا طالما أننا نعرف المواقف حتى قبل أن يتم إعلانها عبر الوثائق، فالمسألة ملتبسة إلا أنها تحمل معها ذروة الإرباك العربي في التعامل مع المستجدات السياسية.

الثالث الطريق إلى ويكيليكس لا يملك أي سياق، حتى ولو كان التسريب بإرادة أمريكية أو بتخطيط من بعض مؤسساتها، فليس مهما هنا نوعية الاختراق أو كشف المواقف المعلنة وغير المعلنة، بل وضع الحركة السياسية في مساحة الحياة العامة، وبالتالي فإننا نكتشف أن الكثير من السياسيين (العرب على وجه التحديد) يتعاملون بنفس الطريقة التي يتعامل بها أي رجل لا يملك أدوات لتحقيق مصالحه فيلجأ إلى من يعتقد أنه "سلطة خارقة"، وهي هنا القوة الأمريكية التي يعتقد البعض أنها تستجيب لهم في أي لحظة.

كل الاحتمالات واردة لكنها توضح نقطة واحدة هي عبثية الحراك العربي وعدم جدواه، فهو الوحيد الذي يبقى مكشوفا لكنه يعتقد نفسه في زمن الأنترنيت أنه قادر على رسم صورة مختلفة لما هو عليه.