المشكلة أننا لا نستطيع إيجاد موقع لـ"غزة" داخل الخارطة السياسية المتداولة إعلاميا على الأقل، فالحراك الدبلوماسي بقي مشغولا طوال عامين بأشكال العودة للتفاوض الذي يمكن أن يبدأ في أي لحظة ومن أي مكان وكأنه حدث قابل للتحقق دون أي شرط ودون التأثر بالظروف الخاصة بفلسطين، فهو تفاوض بغزة أو بدونها، وهو أيضا أشكال من الاجتماعات باستحضار الشهداء أو بعيدا عنهم، وهو ما يعطي انطباعا بأن "التسوية" أصبحت بالفعل خارج خارطة الشرق الأوسط حتى ولو استمرت لعقود إضافية.

عمليا فإن أزمة المفاوض الفلسطيني ليست في "التعنت الإسرائيلي" فهذا الأمر ليس جديدا، وهو السمة التي ميزت "مسيرة التسوية" إجمالا، لكن على ما يبدو أن الطرف الآخر في التفاوض لا يجد شرعية للجانب الفلسطيني، وهو أيضا يعرف أنه يقوم بحالة التعويض عن هذا النقص، في وقت يبدو فيه النظام العربي عموما في نقطة حرجة تجاه "الظاهرة الفلسطينية عموما"، فحرب غزة قبل عامين بكل وقائعها العسكرية والسياسية، أوضحت أنه غير قادر على التعامل مع "الظواهر" التي ترافق حيوية الصراع مع "إسرائيل"، فهو أدرك منذ احتلال العراق أمرين أساسيين:

الأول عدم القدرة على التحكم بالقضايا الاستراتيجية، فبمجرد طرح مسألة العراق داخل الأمم المتحدة ظهر حل بديل لمسألة هذا التحكم، وأصبحت مسألة "التدويل" تشكل شرعيته في مواجهة حالة من الفوضى تحكم مسائله السياسية والمنية وحتى الاقتصادية.

الثاني مع مسائل التدويل ظهر تحد جديد يتمثل في الظواهر الداخلية التي اشتعلت بشكل واضح منذ احتلال العراق، فمسألة شرعية الأنظمة ليست مجرد إجراء سياسي أو تدخل عسكري مباشر، فهي تملك تداعياتها الخاصة داخل المنطقة، وهو ما جعل المنطقة تواجه حربين (2006 و 2009) أشعلتهما "إسرائيل" لكنهما في نفس الوقت فجرا شرعية "النظام العربي".

بعد "الرصاص المسكوب" كان هناك محاولة ترميم تبدو حتى اللحظة فاشلة، فالتحدي مازال يصب في مسألة التدويل سواء بالنسبة لحزب الله أو حركة حماس، وبقي الصراع مع "إسرائيل" منطقة أساسية في تشكيل "الشرعية" بالنسبة للنظام العربي، فأزمة منتصف الطريق لا تظهر في انهيار المفاوضات بل أيضا في عدم قدرة هذا النظام على التأقلم مع "الظواهر" الجديدة، أو التفاعل معها فهو يحاول "عزلها" ويسعى لخلق سياسة وكأن ما حدث ويحدث ليس موجودا.