الكاتب : ظافر الجنابي

حين ستفيق بغداد من تأثير كل ما مر بها من صدمات , وحين يستعيد العراق بعضاً من قوته واستقراره , كما يأمل الجميع – وان بطرق مختلفة - , وحين ينتقل العراق من موقع المتأثر الى موقع المؤثر , هناك سؤال سيكون من المنطق ان يطرح سؤال مفاده : اين سيكون موقع بغداد من المعادلة الاقليمية ؟ والى اي المحاور ستكون اقرب .

هناك عدد من العوامل التي تؤثر في الموقف العراقي , وتحدد طبيعة تعامل العراق مع الاستقطابات الاقليمية , وموقعه من المعادلة الاقليمية , ومن هذه العوامل المنظومة القيمية التي تسود المجتمع العراقي وتشكل مثله العليا وبناه الفوقية , وهي منظومة قيمية تميل لقيم العروبة في محصلتها النهائية , وان كان هناك من يحاول حرفها باتجاهات قطرية او طائفية .

اتجاهات القوى السياسية العراقية وعلاقاتها وارتباطاتها الدولية والاقليمية , هي الاخرى عامل اخر مؤثر في سياسة العراق واتجاهاته الاقليمية , وهذه القوى لها توجهات وارتباطات مختلفة , وبما انه لاتوجد قوة معينة استطاعت ان تفرض سيطرتها على مقاليد الحكم في العراق , فمعنى هذا ان سياسة العراق ينبغي ان تكون محصلة لتوجهات القوى المتشاركة في الحكومة العراقية , والتي تمثل النقاط التي تجتمع عليها هذه القوى _ وهي ليست بالكثيرة- .

بالطبع هناك القوتان الاكبر على الساحة العراقية , - وفي الاقليم عموما – الولايات المتحدة وايران , وهما تمارسان استقطابا على العراق يماثل الاستقطاب الذي تمارسانه في المنطقة , فيما تنخرط الكثير من القوى العراقية في لعبة اتقنتها للاستفادة من كلا الجانبين .

وعلى الرغم من النفوذ الذي تملكه ايران على الاحزاب الشيعية خصوصا , وعلى الرغم من انها قامت بدور حاسم في تشكيل الحكومة العراقية , الا ان العلاقة بينها وبين هذه الاحزاب هي اعقد من ان تكون علاقة تبعية كاملة , تملي فيها ايران توجهات هذه الاحزاب , ولاسباب كثيرة تبدو هذه القوى احيانا وكانها تتوق الى التحرر من السيطرة الايرانية , ربما لشعور هذه الاحزاب بقدرتها على اللعب على التوازنات الدولية والاقليمية , وربما لانها بسيطرتها على مقدرات بلد غني كالعراق وصلت الى حالة الاكتفاء المالي الذي جعلها في غنى عن المعونات المالية من ايران او من غيرها , وقد راينا على سبيل المثال ان المجلس الاعلى الذي يعتبر الاقرب من بين القوى العراقية الى طهران عارض ترشيح المالكي , رغم ان ايران كانت تضغط باتجاه ترشيحه .

وعلى هذا نجد ان السياسة العراقية لاتتوجه بالضرورة بالاتجاه الذي تتوجه فيه السياسة الايرانية , ونجد ان الحكومة العراقية اقرب الى القاهرة وعمان والى قوى 14 اذار في لبنان والى السلطة الفلسطينية , منها الى دمشق وحزب الله وحماس , بل ربما نستطيع ان نتصور اعادة تشكيل المحاور الاقليمية ليتشكل محورجديد ينتظم بغداد – عمان – رام الله – القاهرة .

في ذات الوقت , ينخرط كل من اللاعبين الامريكي والايراني على الرقعة العراقية في لعبة متبادلة , تمتزج فيها اساليب المساومات والاغراء والتهديد , وتجري فيها تصفية حسابات تعود الى ساحات اخرى خارج الساحة العراقية , ولايستبعد مع هذه اللعبة ان تحاول واشنطن صرف انظار طهران عن جهود التسوية على الساحة الفلسطينية باشغالها في تفاصيل اللعبة العراقية .