الكاتب : مازن بلال

ليس مهما أن يعيد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إعادة شرح تصريحاته، فما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية يبدو كافيا لإيضاح نوعية الإستراتيجية التي تتحكم في المنطقة، وربما يكشف أن المواقف السياسية ربما تنتظر نوعية الترتيبات السعودية الداخلية حتى تتضح معالم التحركات التي ستؤثر على المعادلة الشرق أوسطية عموما.

لكن السعودية إجمالا لم تظهر ارتياحا للقوى السياسية الصاعدة في لبنان، وربما تفضل توازن يمكن التحكم به على سياق ما حدث بعد اتفاق الطائف، وهو ما يجعل تعاملها "رماديا" مع واقع لبناني يمكن أن يؤثر على المنطقة إجمالا، ومن هذه الزاوية فإن سعود الفيصل يستطيع تفسير كلامه من جديد، ليس لاستمالة أطراف أو استعداء أطراف بل لأن الإرباك الحاصل هو في نوعية المواقف التي مازالت متأرجحة في المنطقة عموما.

من جانب آخر فإن الأطراف التي فهمت الموقف الخاص بوزير الخارجية السعودي استندت إلى جملة تصريحات قدمها خلال الأعوام الماضية، وهي بمجملها اتجهت نحو طرف واحد، ثم غاب الوزير السعودي لفترة طويلة ليظهر من جديد في ذروة الأزمة ويحذر من "الخطر" بشكل يضع سؤالا أساسيا عن "سبب" التحذيرات أو توقيت عودة تصريحات الوزير السعودي في هذه اللحظة بالذات.

انسحاب السعودي من خط التسوية، ورغم أن قطر كانت موجودة بشكل واضح ضمن علاقاتها داخل لبنان، لكن اسمها غاب إعلاميا خلال مرحلة السين - سين، فهل الظهور الجديد إعلاميا أيضا يؤشر لمرحلة مرتبطة بالأدوار الإقليمية؟

ما يحدث ينقلنا إلى هامش مختلف عن المرحلة التي بدأت بعد قمة الكويت الاقتصادية، وحتى اللحظة هناك تجنب لمواجهة دبلوماسية عربية - عربية، فرغم انهيار حكومة الحريري وتعثر السلطة الفلسطينية سواء بالنسبة للتسوية أو حتى للمفاوضات مع حماس، لكن خارطة جديدة لم تتشكل بعد، على الأخص أن الدبلوماسية الأمريكية بهذا الخصوص لم يتم اختبارها أيضا رغم أن موقفها واضح جدا، بينما كانت الإدارة السابقة تملك موثوقية عالية للانغماس في الأزمة اللبنانية بشكل خاص.

بالتأكيد فإن واشنطن تحركت في مساحة الأزمة الحالية، لكنها في المقابل مازالت تتعامل في هامش "التصريحات السريعة" وهي رغم تقديم الدعم لـ"حلفائها" إلا أن إمكانية تعاملها "القوي" هو مثار القلق بالنسبة للكثيرين، فهل يمكن أن تتخذ قرارا يشبه ما حدث في 2006؟!

وفي سياق الإدارة الحالية فإن هذا الاحتمال يبقى بعيدا، لأن التوازنات في الشرق الأوسط اختلفت نوعيا، وهو ما يدفع باتجاه التأثير على هذه التوازنات أو إثارتها بشكل أو بآخر لخلق بيئة تحمل معها إمكانية "الرد القوي" على ما يحدث، لكن المشكلة أن المواقف العربية تنتظر هذه الظروف وهو ما يجعل الأزمة مرهونة بين جانب عربي أطلق عليه في وقت سابق "الممانعة" وقدرة الولايات المتحدة على التأثير لإرباكه عبر مواقف عربية "رمادية".