الكاتب : مازن بلال

أهم ما قدمته "وثائق الجزيرة" لا يرتبط بقلب المعادلة السياسية، لأن من ينحاز إلى السلطة الفلسطينية سواء من النظام الرسمي العربي، أو حتى من فئات المجتمع التي تميل للتسوية لأسباب مختلفة، سيبقون في نفس الموقع والرافضون أيضا لمسألة التسوية سيزيدون من رفضهم، والوثائق أيضا لن تجعلنا نزداد قناعة بعدم جدية التسوية أو بنوعية الارتباطات التي يحملها رجال السلطة أنفسهم أو حتى عدم تمثيلهم للشعب الفلسطيني، فهذه المسائل أيضا لها استقطابها الخاص.

القضية الأساسية هي في إعادة التفكير بالقضية الفلسطينية من نقطة بدايتها، فحقوق اللاجئين لا تمثل فقط "تعويضات مادية" أو حتى إعادة توزيعهم الديموغرافي، فهي تملك بعدين أساسيين:

يرتبط الأول بتأثير الصراع العربي - الإسرائيلي على شخصية الفرد الذي ينتمي للمنطقة وليس حصرا الفلسطيني، فهذا الصراع أدى لإخراج فئات اجتماعية بعيدا عن الجغرافية التي كانت تنتمي لها، وهو أمر اعتيادي في حالة الصراع عبر التاريخ، لكن الأمر الخطير هو أنه سيفقد الحق في استرجاع هذا الانتماء للأرض في حال انتهاء الصراع، فالمسألة بالنسبة له هي نسف لتاريخ وتراث، وتأسيس لمستقبل عليه بمفرده أن يجد مكانه دون أن يكون له أي مجال في الاختيار. وبالتأكيد هذا الأمر سينسحب على معظم "الأفراد" الموجودين في جوار الصراع الأساسي، طالما ان هذه السابقة موجودة أمامهم (إسرائيل)، ويتمثل شرط بقائها (ربما) ببقاء هذا القلق.

الثاني يرتبط بمسألة الشرعية التي تمثلها الدول التي يمكن أن تدخل بعملية التسوية وتقبل بمثل هذا الشرط، أي بتحديد انتماء جديد يعيد تشكيل العصبية الخاصة بالمجتمع مع وجود احتمالات لنسف الانتماء كما حدث في "النموذج الفلسطيني"، فهذا الأمر ربما سيغير من مفهوم السيادة الوطنية وحقوق المواطن ابتداء من "الدولة الفلسطينية" التي تريد الولايات المتحدة ظهورها.

هل نحن أمام تفكير سياسي مختلف؟ بالتأكيد لا... لكن الآليات السياسية تتجاوز نفسها أحيانا فتسعى للوصول إلى نتائج تخالف الاجتماع البشري، وأحيانا تنسف المراحل فتعود إلى مواقع ما قبل الاجتماع البشري، فتحقيق تواجد الدولة لا يمكن أن يكون على حساب "الوجود الاجتماعي" نفسه، وهو ما يحيل قضية اللاجئين إلى نقطة مختلفة عن تلك التي ظهرت في وثائق الجزيرة أو تم الترويج لها سابقا في "محادثات السلام"، فالموضوع ليس ديموغرافيا بل هو مرتبط بمستقبل كافة الدول الموجودة في الشرق الأوسط، وهو أيضا يعيد رسم الشرق الأوسط من جديد.