الكاتب : سها مصطفى، زينب الدبس

لخلق قناعة مشتركة مبنية على إجماع عام لا يطال فيها التشكيك كل شي ومن أجل توحيد الموقف من الرقم الإحصائي المنتج من أي جهة رسمية ومدى مصداقيته والتعاطي معه بطريقة بعيدة عن الاستغراب ،لابد من أن يبدأ على قاعدة احترام من ينتج ذلك الرقم بطريقة صحيحة ،فتكون بعيدة عن أي حالة يمكن التشكيك فيها ،إلا أن ثمة تساؤلات تبقى حاضرة في مدى مصداقية الرقم الإحصائي بظل تباين الأرقام بين المسؤولين الاقتصاديين سواء حول معدلات النمو أوالبطالة أوالفقر وانحصار إنتاج هذا الرقم بمؤسسة واحدة فقط لاغير !! ولأن أمورنا تمام والحمد لله بخير حسب كلام محمد ناجي عطري باحدى تصريحاته.

مؤخراً أظهرت نتائج مسح أجراه المكتب المركزي للإحصاء أن متوسط إنفاق الأسرة السورية في عام 2009بلغ نحو 30.9 ألف ليرة سورية شهرياً بزيادة تصل لنحو 20% مقارنة بمتوسط إنفاق الأسرة السورية عام 2007 حيث وصل متوسط الإنفاق إلى 25.9 ألف ليرة

وأوضح المسح حول دخل ونفقات الأسر السورية لعام 2009 أن نسبة الإنفاق على الغذاء هي 45،%وبمقارنة مع الإنفاق على الغذاء بين عامي 2003/2004 حيث شكل حوالي 42%من الإنفاق الكلي ومؤشر زيادة الإنفاق على الغذاء هومؤشر غير مريح كونه دلالة واضحة على تصاعد مؤشر الفقر إلى الأعلى في ظل تراجع الإنفاق على المواد غير الغذائية

ناقوس خطر

الباحث الاقتصادي منهال العريضي اعتبر "تعددت الأسباب وتكاتفت في آن واحد وهذا ما جعل من ظاهرة الفقر واضحة ومعقدة في نفس الوقت،فرغم زيادة معدلات النمو الاقتصادي وبالتالي ارتفاع متوسط دخل الفرد في سوريا إلا أن هذه الزيادة لم تنعكس على تخفيض معدلات الفقر ويأتي ذلك أساسا من عدم عدالة توزيع الدخل نفسه والمترافق مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية (غذاء،لباس، سكن، طاقة ،،،، الخ) بمعدلات عالية نسبيا مقارنة مع معدلات نمو الدخل، مما جعل الدخل الحقيقي في النهاية ينخفض. لذلك نرى لحاق قسم كبير من الطبقة الوسطى بالطبقة الفقيرة وإن كان ليس بالطبقة الأفقر. بالإضافة إلى موجات الجفاف التي لحقت كثير من الأراضي الزراعية والتي هي المصدر الوحيد لكثير من أصحابها. نضيف إلى ذلك عجز الاقتصاد الوطني عن إيجاد فرص عمل حقيقية لاستيعاب الداخلين الجدد في قوة العمل ، ما يفسر ارتفاع معدل البطالة.

ويتابع العريضي " فحسب التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية في الجمهورية العربية السورية 2010 فإن نسبة السكان وفق خط الفقر الوطني الأدنى، أي الذين يقل دخلهم اليومي عن 2.74 دولار بتعادل القوة الشرائية لعام 2005 ، ازدادت من 11.39% عام 2004 إلى 12.3% عام 2007 (أي ما يعادل 2.4 مليون نسمة). أما وفق خط الفقر الوطني الأعلى ، أي الذين يقل دخلهم اليومي عن 3.81 دولار بتعادل القوى الشرائية لعام 2005، فكانت نسبة الفقر عالية نسبيا إذ ارتفعت من 30.1 % عام 2004 إلى 33.6% عام 2007 ، أي ما يقارب 6.7 مليون نسمة.

أبو محمد أب لستة أطفال يعيش بإحدى مناطق السكن العشوائي بمنزل أجرة مؤلف من غرفة واحدة حول عمله يقول" أجلس طوال اليوم على الرصيف حالي كحال الكثيرين بانتظار قدوم شخص يطلب عمالاً(عتال) ، أبو محمد غالباً لا يواتيه الحظ أن يعمل أكثر من يوم واحد في الأسبوع والأجرة هي 400 ليرة سورية لا تكفي لإطعام أولاده الستة والمعادلة بسيطة فعندما لا يعمل أبو محمد لا يأكل أطفاله ! ! أبو محمد وعائلته مثل الكثير من العائلات التي هجرت الريف ونزحت إلى العاصمة دمشق لتسكن في تجمعات عشوائية على أطرافها وتشكل حزاماً يشبه بقية أحزمة الفقر الموجودة حول المدن الرئيسية في سوريا ومع ذلك فإن فقراء المدن أكثر حظاً من فقراء آخرين يعيشون بعيداً عن دائرة الضوء والقرار.

فالفقر كما تقول ميساء ميداني مديرة الحد من الفقر في هيئة تخطيط الدولة يتركز في الأرياف أكثر منه في الحضر وتؤكد هذا خارطة الفقر التي تبين أن الفقر ينتشر في المناطق الريفية التي يتركز فيها 62% من الفقراء، فمعدلات الفقر تصل إلى 23%من سكان المناطق الريفية و9% من سكان المناطق الحضرية لكن الأرياف ليست كلها في كفة واحدة ولا المدن أيضاً فهناك تفاوت كبير في معدلات الفقر في الاقاليم المختلفة في سوريا فمحافظات المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا هي المحافظات الأكثر فقراً رغم كونها سلة غذاء سورية وسلة اقتصادها كونها تنتج المحصول الاستراتيجي السوري من القمح وكونها تحتوي على مجمل منابع النفط في سوريا حيث تتركز نسبة 58.1% من فقراء سوريا (باستخدام الخط الأدنى للفقر) في الاقليم الشمالي الشرقي وهو الاقليم الذي يعيش فيه 44.8% من إجمالي السكان البالغ عددهم 17 مليون و793 ألف نسمة .

أرقام ولكن !!!

كفاح جبارة مات زوجها من خمس سنوات ولم يترك لها شيئاً سوى طفلين تقول أعمل بصالة أفراح حيث أقوم بجلي الصحون حتى أستطيع أن أربي أطفالي وإتمام تحصيلهم العلمي على الرغم من عدم كفاية الراتب الذي ينفق من بداية الشهر ".

التقرير الوطني لأهداف التنمية الألفية في سوريا 2005أوضح أنه بالإضافة لتركز الفقر في المحافظات الشرقية والشمالية إلا أن باقي المحافظات تحتوي جيوب فقر كثيرة يرتفع فيها معدل الفقر ليصل إلى 20% في قرى حلب و 18% في الرقة و 17% في السويداء...

من جانبه رأى الدكتور قدري جميل "أن ظاهرة ازدياد الفقر مرتبطة بظاهرة الفساد ، فإذا أردت حل مشكلة الفقر والبطالة بسوريا يلزمني نمو لا يقل عن 12% ،طبعا حتى أصل إلى 12% سنويا يلزمني توظيفات كبيرة لكن تراكم الأموال بجيوب الفاسدين سيقف عائق أمام النمو من جهة ومن جهة أخرى في ظل الأزمة العالمية وانحسار النمو وصعوبة الحفاظ على حجم المنهوب السابق أصبح صعباً أمام هؤلاء الفاسدين (الناهبين) الحفاظ على معدلاتهم السابقة للنهب سوى الاستيلاء على جيوب الفقراء أكثر فأكثر عبر أشكال مختلفة منها القيمة الشرائية نفسها_ تمويل الخدمات- الصحة، التعليم، الثقافة).

ويؤكد جميل " أريد أن أطرح على نفسي سؤال مشروع عند وضع الخطة الخمسية العاشرة تم وضع معدل النمو لكي يصل إلى 7% على أمل أن تزداد النسبة في الخطة الحادية عشر إلى 11% و ما فوق لكن النسبة كانت في الخطة الحادية عشر 5،7% !!؟ ، ويتابع" بالخطة الخمسية العاشرة وضعوا أرقام للفقر الأعلى هي 30% حتى يصلوا إلى 22% والآن لا توجد أرقام فلم يتعهدوا بشيء لأن الفقر ازداد حيث كان 30% فأصبح 44% ولذلك لم يعودوا يلتزمون برقم.

على الصعيد نفسه اعتبر الباحث الاقتصادي منهال العريضي " صحيح أن سوريا دولة غنية ومتنوعة الموارد ولكن هذا لا يعني بالضرورة أننا أغنياء وذلك يعود بشكل أساسي لإدارة هذه الموارد. فعدم وجود إدارة متكاملة ورشيدة لمنظومة الموارد المتاحة يؤدي إلى استنزاف كثير منها دون أن تنعكس إيجابا على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية،وبالتالي الانعكاس السلبي وغير المدروس لبعض الإجراءات والتوجهات نحو نهج اقتصادي جديد وهو اقتصاد السوق الاجتماعي الذي لم يحقق حتى الآن متطلبات التنمية خاصة وأنه وبالرغم من السعي الحثيث نحو زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني وفي دعم آليات التنمية إلا أن الاستثمار قصير الأجل والبحث عن الربح السريع دون النظر إلى متطلبات الاقتصاد الوطني كانت السمة السائدة في القطاع الخاص. حتى أننا لا يمكن أن نطلق على الاقتصاد السوري سمة اقتصاد السوق وذلك لضعف انتشار الأسواق فيه وضعف انتقال المعلومات وسيطرة سمة الاحتكار على آلياته وبالتالي لم يرقى بعد لما يسمى اقتصاد السوق. من جهة أخرى، لم يترافق هذا النهج الاقتصادي بوجود نظام ضمان اجتماعي قادر على إعادة توزيع الدخل بشكل عادل والنهوض بالطبقة الفقيرة والوسطى لتكون أكثر فاعلية في الاقتصاد الوطني.
الفقر والتنمية

العريضي لفت الانتباه إلى انعكاس الفقر على التنمية "يمكن أن تقع أضرار كبيرة بالقدرات البشرية ومستوى تأهيلها على المدى الطويل من جراء ما يقع على المدى القصير من ضغوط اقتصادية تعانيها الأسر الفقيرة. هذا ما سوف يحدث عندما نرى تسرب نسبة عالية من الأطفال من التعليم لمساعدة عائلاتها على تكاليف المعيشة.

وهذا الأثر السلبي على تنمية القدرات البشرية سوف ينعكس سلبا على قدرة المجتمع على التنمية والتجديد، وقدرة الاقتصاد على تكوين مزايا تنافسية ، خاصة في ظل سياسات الحد من الإنفاق الاجتماعي دون سياسات أخرى بديلة لخلق نظام اجتماعي قائم على عدالة توزيع الدخل.

من جهة ثانية يمكن أن تلحق بالمجتمع على المدى الطويل أضرار اجتماعية ونفسية خطيرة وعلى الأخص في التماسك الاجتماعي والتمسك الأسري، وذلك من جراء ازدياد التفاوت في توزيع الدخل والثروة، وانقسام المجتمع إلى أقلية غنية وأكثرية فقيرة أو متوسطة الدخل، مع تضاؤل إمكانات تحسين أحوال الفقراء على المدى القصير، وبالتالي تتزايد احتمالات العنف والجرائم وغير ذلك من مظاهر عدم الاستقرار، وهي أمور معاكسة للتنمية.

أمام هذه المعطيات يبقى القول :أنه عندما يطلب إعداد تقرير أودراسة لقضية ماتعانيها شريحة واسعة من المجتمع لانكون واقعين في إعداد تقرير أو دراسة كهذه خاصة أننا بعد إصدارالنتائج الأولية لمسح نفقات ودخل الأسر السورية للعام 2009سورية الغد طلبت هذه النتائج لكن طلبنا وجه بالرفض معلقين بأن النتائج مشكوك بها وسيعاد النظر فيها!!!! يذكر أن المكتب المركزي للإحصاء يعمل على إصدار مجموعة إحصائية سنوية ترصد كافة المؤشرات والمعطيات الإحصائية في سورية، ويعتبر الجهة الوطنية الوحيدة المخولة حكومياً بإنتاج وصناعة الرقم الإحصائي، حيث لا تستطيع أي جهة أخرى القيام بإحصاءات أو بحوث أو مسوح دون موافقة المكتب وإشرافه.