الكاتب : مازن بلال

لنحاول إعادة فهم الصراع الذي يحدث بعد دخول الجيش إلى شوارع المدن الكبرى في مصر، فهناك مطلب معيشي من الصعب أن يتحقق بين يوم وآخر، وفي المقابل هناك خيار وحيد دخلته مصر ربما "بنية" توسيع هامش تحركها وذلك عندما قرر الخروج من المعادلة الإقليمية بعد حرب تشرين، لكن هذا الخروج والآمال الاقتصادية التي تحدث عنها أنور السادات أوضحت نوعية المعضلة التي تم خلقها بذلك القرار الذي بدأ بالتفاوض وانتهى بـ"السلام"، فالمسألة لم تكن فقط مجرد شعار لـ"الحرب" أو "إنهاء الصراع"، بل الخروج من وضعية مصرية كاملة، فإنهاء الحرب لم يخلق "الرفاه" ومحاولة رسم جغرافية سياسية جديدة لمصر أدخلها في متاهات مختلفة.

ما يحدث اليوم يطرح جملة من الخيارات أمام المجتمع رغم أن "السلطة السياسية" مازالت مستمرة، ورغم أن الجيش يسيطر على الأقل على مراكز المدن الكبرى، لكن الواضح أن شرعية "السلطة" لم تهتز فقط بل جرفت معها "الخيار" الذي تم طرحه من خلال التعيينات التي أجراها الرئيس مبارك، وفق هذا المشهد اختفت الشعارات الاقتصادية و "الإصلاحية" وظهر الشارع المصري وكأنه يريد خلق خيارات جديدة، وعندما وصل الجيش إلى الشارع لم يجد فيه المصريون "مؤسسة" بعيدة عن تلك الخيارات الجديدة، فهم اعتادوا "طبقة سياسية" غيرت من شخصية الجيش المرتبط بأذهانهم بمسار ليس بعيدا عنها تدخله ضد الملك فاروق وحرب السويس وصولا إلى حرب تشرين.

المشهد اليوم يوضح أن خيارا إقليميا يقع في دائرة الخطر، فالمتظاهر المصري يهزه بقوة بينما تسارع العواصم الكبرى للبحث في هذا الموضوع المستجد، والإدارة الأمريكية بالذات لا تراقب فقط بل تتعامل بسرعة مع الوضع لأنها منذ إدارة الرئيس جيمي كارتر وجدت في القاهرة مكانا استراتيجيا تم فيه تشتيت الصراع والتنمية أيضا! فهو تشتيت مرتبط بمحاولة التخلص من "العبء التاريخي" الذي كانت ترمز إليه مصر باتجاه "الرفاه الاقتصادي" الذي انتهى بصورة تراجيدية مع ارتفاع معدلات الفقر وانتشار طبقة مالية متحالفة إن لم نقل أنها جزء من "العملية السياسية" في مصر.

هل مصر في خطر؟ بالتأكيد... لكن في المقابل ربما نتلمس مساحة جديدة لعودة طبيعية لجغرافيتها السياسية، فمحاولة نسيان وضعها الاستراتيجي منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي لم يؤدي إلى أي نتيجة واضحة، ومن يتذكر "كلمات السادات" المتواصلة عندما دخل في عملية السلام يدرك أنه كان يسعى إلى وضع مصر في موقع مختلف فتقلص دورها الإقليمي والعربي والأفريقي، وأصبحت أوراقها الإستراتيجية مخنوقة في تتبع "استراتيجيات أخرى" تم رسمها من أيام زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق في إدارة جيمي كارتر، ولا يمكن للولايات المتحدة اليوم التخلي عن مشروع طويل عمره أكثر من أربعة عقود، لكنها أيضا لن تستطيع العودة إلى الوراء فهناك خيارات جديدة امام مصر.