الكاتب : مازن بلال

مواكبة الحدث المصري تشد التحليل السياسي باتجاه واحد يتمحور على نوعية المعادلة الإقليمية التي يمكن ان تظهر، لكن الحدث بذاته يشكل كسرا لكل الاحتمالات وهو ما يبدو واضحا في القلقين "الإسرائيلي" والأمريكي على وجه التحديد، فواشنطن لا تملك في هذه اللحظة سوى الاتصال مع الأطراف التقليدية، سواء داخل مؤسسة الرئاسة أو الجيش، ولكن في المقابل فإنها لا تستطيع تقديم سيناريو مستقبلي، وعلى الأخص أن تقديرات الأيام الأولى ألغت الكثير من الممكنات، ووضعت "الأزمة المصرية" في مواجهة مفتوحة، حيث بدت الإجراءات الرسمية الأخيرة وعلى الأخص خطاب نائب الرئيس عمر سليمان وكأنها سير على خط عادي لا يأخذ بعين الاعتبار ما يحدث خارج أسوار الحكومة.

ردود الفعل المصرية "البطيئة" إن صح التعبير تشكل "الرهان" على ما يبدو بالنسبة لـ"نوعية" المعادلة، فالزمن يسير نحو "التفرق السياسي" بالنسبة للمؤسسة الرسمية المصرية أو حتى للإدارة الأمريكية، فإذا كان صحيحا أن الكثير من العواصم العالمية باتت على يقين أن هناك تحول سيحدث حتى مع بقاء الرئيس حسني مبارك، لكنهم على ما يبدو يفضلون خلق تشتت داخل الساحة الخاصة بالمتظاهرين، وربما يستفيدون من عم "التحديد" للمصطالب باستثناء إنهاء النظام.

هي بالفعل حالة قصوى من "كسر الاحتمال"، لأن ما يحدث في مصر يختلف نوعيا عن الكثير مما شهده العالم من "الثورات" التي يعشق المنظرون الأمريكيون في تسميتها بـ"الديمقراطية"، لكنها هنا تملك حالة مختلفة عما كانت ترغب به إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، فهي لا تملك ألوانا ولا شخصيات واضحة، ولا تطمح أي جهة في الادعاء بأنها كانت قادرة على تحريكها، فهي تقف في مساحة غير مألوفة بالنسبة لـ"نظام الثورات" التي تم التنظير لها على طوال القرن الماضي أو بداية القرن الحالي.

ربما كان نتنياهو الأكثر "وقاحة" عندما أبدى مخاوفه من أن تتحول مصر إلى "إيران جديدة"، وهو كان واضحا في هذا التصريح من أجل دفع حلفاء "إسرائيل" لاتخاذ مواقف واضحة مما يجري، أو حتى تحديد سيناريوهات واضحة، لكن حتى ولو أراد البعض القيام بمثل هذا الأمر فهل يستطيع ذلك؟ بالتأكيد هناك آلية غير مألوفة نشهدها اليوم تتسم بأمرين:

الأول أن الآليات هي في النهاية نوعا من التداعيات، طالما أن ابتداء المظاهرات لم يكن أساسا يحمل معه كل هذا الزخم فهو انطلق وفق البيان الأولي في عيد الشرطة لمواجهة تعسفها، لكن التداعيات ظهرت مبكرا ومنذ الجمعة بدت شرعية النظام السياسي تنتهي سريعا رغم إصرار المؤسسة الرسمية على البقاء.

الثاني البرنامج السياسي أو نوعية "السلطة الانتقالية" ستكون مرهونة أيضا بالتداعيات أيضا، فليس هناك شروط سياسية معينة طالما أن المظاهرات الحالية لا تحمل معها "زعامات سياسية"، وربما على الآخرين الوثوق بهذه التحركات التي أفرزت مجتمعا ينظم نفسه تلقائيا مع غياب مؤسسات الدولة.

كسر الاحتمالات لا يعني الفوضى لأنه يضع نماذج متجددة يمكن رؤيتها اليوم في ثقافة تنتشر داخل المجتمع المصري الذي استطاع بنفسه محاصرة الفوضى، لذلك لا ضرورة لتحليلات سياسية في هذه اللحظة.