الكاتب : مازن بلال

المشكلة في مصر مركبة أكثر من تونس، وعقدة أيضا لأنها مرتبطة بنظام إقليمي تسعى الولايات المتحدة للتحكم بأي مسار جديد يمكن أن يظهر فيه، فالرئيس حسني مبارك ليس "عنيدا" حسب تعبير وسائل الإعلام، لن الأهم من هذه "السمة" هي الافتقاد إلى سيناريو مضمون بالنسبة لـ"إسرائيل" وللولايات المتحدة أيضا، رغم ان المتظاهرين لم يطرحوا حتى الآن أي شعار يتعلق بالعلاقة القادمة مع "الصراع" العربي - الإسرائيلي، أو حتى بمراجعة الاتفاقيات السياسية الخاصة بعمليات السلام.

الخشية القادمة على ما يبدو هي في اتجاه الدور المصري أكثر من كونها خوفا من "مراجعة" للمسار السياسي الذي بدأ مع اتفاقيات كامب ديفيد، فبمجرد الحديث عن قوى جديدة حتى ولو كانت لا تملك برنامجا يضع الدور المصري في مساحة مختلفة، وهنا تنتقل الأزمة المصرية باتجاه دولي وبسرعة، فالتصريحات الأمريكية تبحث في مسألة الانتقال السلس للسلطة حسب تعبيرها عن خيوط يمكن عبرها التحكم في مسألة "تصفية الاحتمالات" القادمة، وعدم تركها لتداعيات غير متوقعة، أو حتى لآليات يمكن أن تنتج احتمالات جديدة على مستوى الدور المصري عموما.

عمليا فإن الداخل المصري مازال يعيش مسائله الداخلية، وهو يملك ديناميكية غير مريحة بالنسبة لمراقب مثل "إسرائيل"، فالدرس المصري يمكن أن يقود "السياسات الإسرائيلية" باتجاه حسابات لا تريدها في اللحظة الراهنة، حتى مع بقاء اتفاقية السلام الموقعة مع القاهرة، لكن الوضع المصري وربما على امتداد سنوات ماضية كان يحمل نقطة ارتكاز حقيقية كدولة لم ترفع فقط شعار السلام بل خلق له رموزه جغرافيا وسياسيا، وأصبح "شرم الشيخ" المكان المفضل لاستيعاب معظم التداعيات التي كان آخرها الحرب على غزة.

السيناريو الواضح ربما لا يفيد أحدا خارج مصر، فما يطرحه المتظاهرون هو طي حقبة ليس مجرد الحديث عن الإصلاح، و "طي الحقبة" سينتقل بشكل عادي من مساحة الداخل إلى تحديد "السيادة المصرية" على ملفاتها وأدوارها وهي أمر مقلق لأبعد الحدود لأنه لا يحمل أي ضمانة خارجة عن المصالح المصرية.

وعلى الجانب الآخر فإن حجم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر هو الذي سيدفعها باتجاهات غير تلك التي كانت معتمدة، وهو ما يفتح بوابة واسعة وربما هامشا مختلفا لطريقة التعامل الاقتصادي التي يمكن أن تتجه نحو تركيز حالة سيادية في الاقتصاد، وبالتالي بتأثر الدور المصري بشكل واضح بأي تحول جديد.

المتظاهرون الشباب يعرفون تماما أن عملية الإنهاك التي تمارس ضدهم اليوم لا تتعلق فقط بمطالبهم المباشرة، لأن التحول الذي يمكن ان تشهده مصر يمكن سيعبر بالمنطقة من "القعر السياسي" الحالي باتجاه مساحة مختلفة تدعو معظم الدوائر السياسية الدولية للقلق.