الكاتب : نضال الخضري

ليست هلوسة ولكن تجاوز المعقول هو الذي يدفعني لخلق تعبير مختلف عما يجري، أو عن ما قدمه الشباب في لحظة واحدة، فنحن نغير من نظرتنا لمجتمع كان في الماضي ينقلنا على إيقاع ثقافي خاص، ونبدل من الكلمات التي استخدمناها للحديث عن مجتمعنا الذي يستطيع ابداع "فنه" الخاص وإيجاد معرفة مختلفة وحيوية ودون شعور بأن الهظيمة ستبقى موجودة طالما ان البعض قرر التسوية.

في مصر حالة لا بد أن نعيد معها جدولة همومنا وفرحنا وحتى عشقنا، لأنها توازي حالة الشعر في قدرتها على التجاوز السياسي، وتتفوق على "الجنس" في طاقته على صياغة الوجوه أو الأجساد أو كتابة معلقات من الخصب، فكيف يمكن أن نلتقط الخيال ونجسده في وجوه ليست محبطو... وجوه اخترقت حاجز التحليلات التي وضعتها تارة ضمن دائرة الإرهاب، وأخرى في مساحة الفساد، وفي أحسن الأحوال "التنمية".

عندما نتعرف على "الحيوية" ندرك أن مسألة الخيال هي شأن ابتدعناه، وأن أي شطحة يمكن أن تصبح واقعا عندما نعرف أن المسألة هي مجرد تحول من زمن إلى آخر، فنعود إلى الدرس المصري الذي يركب اليوم ثقافة مختلفة، ويكون معه "كتابه المقدس" دون أن يخترق الحرمات أو المحرمات، لأنه يجد فضاءه الخاص الذي يطلق فيه العنفوان الذي يريده، وربما ينظر إلى العالم الذي يجاوره بعين جديدة تعرف أن أرضه لا يمكن أن تكون بعيدة عن كل الخيوط التي التقت مرة في القاهرة.

لا أعرف لماذا يحضر التاريخ في لحظة ثم يغيب، ربما لأن صانعو الحدث في مصر ينتمون إلى الغد وليس إلى الماضي، أو لأنهم يعرفون الرابط مع التاريخ لكنهم لا يختنقون فيه، أو حتى يدركون حقيقة ما يقدمونه كحدث اجتماعي - ثقافي قبل أن يكون سياسيا أو ديمقراطيا أو مطلبيا، فينشد الجميع إليه لأنهم يعرفون أن كل المسائل الفرعية تنتهي عندما يحاول البعض خلق الزمن.

بعد شهر أو شهرين أو... سندرك حجم الفارق الذي خلقه الحدث المصري في علاقاتنا الداخلية، وسندرك أن المثل الشعبي "العطف على الصغير واحترام الكبير" تبدل تماما، فنحن سنحمل الاحترام لصغارنا ونطلب منهم "العطف" كي نستطيع استيعاب لغة أوجدوها ليس فقط على صفحات الانترنيت، بل أيضا بالقدرة على التنوع وعدم التوقف عند ما كنا نعتقد أن حالة سطحية تميز الأجيال لنعظم من شأن أنفسنا فقط، فلا "تامر حسني" ولا "عمرو دياب" ولا غيرهم ممن غنوا أو شخصوا أو وضعوا كتبا صفراء كانوا قادرين على الحد من طموح جيل يريد أن يرسم شيئا مختلفا عن السابق.

متفائلة... نعم رغم أنني أدرك أن كل الظواهر السابقة لن تزول، وأن "إسرائيل" ربما تتجاوز العاصفة الحالية، وأن الثقافة الوليدة ربما تتأخر قليلا بالظهور، لكنني أعرف تماما أن الأجيال الجديدة وحدها القادرة على صناعة المستقبل.