الكاتب : ربى الحصري

في هذه الجغرافية هناك من يستطيع احتكار كل شيء، لكن المشكلة أن العالم المعاصر قائم على تعدد الحقائق، وفلسفة "الأنوار" انتظرت" أكثر من قرنين حتى تصبح وسائل الاتصال تعبيرا واضحا عن هذا التعدد الذي ربما غير مفهوم الرأي العام و "الثوابت"، ويعيد تشكيل المجتمعات على صيغة التفرد، فإذا كان صحيحا أن صفحات التواصل الاجتماعي كانت في عمق الحدث العربي، فإنها لم تجمع الملايين المصرية إلا على البيئة الجديدة، وفي هذه "البيئة" يمكننا تخيل حجم التنوع الذي ظهر بعد أن بدأت مرحلة ترتيب ما بعد حسني مبارك.

هذه الصورة تتكرر لتجعلنا بالفعل نبقى في حدود البيئة الافتراضية التي تحمل كل الاحتمالات، وعلى الأخص عندما تصبح مواقع التواصل "أداة سياسية"، وهنا علينا أن نكون حذرين لأن عملية إيجاد النموذج تفشل وربما تجعلنا نكرر أخطاء الآخرين، وما يدفع اليوم للحذر هو طريقة التعامل مع "تويتر" على وجه التحديد منذ أول أمس، حيث أصبح مكانا مفضلا لأشخاص غير معروفين، بمعظمهم، كي يتم رسم "مواقف" سياسية، علما أنني لست ضد استخدامه بهذه الطريقة، إلا أن ما حدث هو عدم القدرة على خلق تمييز واضح لما سيحدث، وربما لم يحدث، وعندما تم نشر مقطع فيديو في "اليوتوب" أصبح مهمة بعض الإعلاميين تحليل المقطع وقراءته بعيدا عن نوعية الساحة الافتراضية.

لست مهتمة اليوم بالحدث لأنه على ما يبدو كان يملك "حدودا" واضحة، لكنه وضعني أمام التشويش في الروايات التي حاولت نمذجته، سواء من أولئك الذين نشروا مقطع الفيديو أو أرسلوا آلاف الـ"تويت"، او من الطرف الآخر المغرم على ما يبدو في تقديم "رواية متكاملة" ظهرت في بعض الصحف والمواقع السورية المستقلة.

في الفضاء الافتراضي ليس هناك "رواية كاملة"، واعتماد مثل هذا الأمر سيوقع مستخدمي وسائل الاتصال في حد قدرتهم على إطلاق عقولهم نحو تلك البيئة الجديدة، كما أن الاعتماد على غنى الانترنيت من أجل "الحديث المجاني" سيجعل التواصل الاجتماعي ثرثرة فقط، وهذا ما حدث على امتداد 48 ساعة ماضية كانت فيها سورية محط أنظار السوريين في الخارج على الأقل، وبعدها فإن كل ما حدث ربما يخرج عن إطار الاهتمام، فالمسألة ليست في حدث محدود أو كبير، والروايات هنا تمارس حالة احتكار لأن ما حدث لا يحتاج لا إلا تبرير أو تفسير من أي طرف، وأهميته الحقيقية كانت في طريقة ظهوره على الإنترنيت وكانت محبطة لأبعد الحدود.

بعض الفضائيات استنفرت لما جرى، ولست أغلطها في ذلك فالإعلامي يحمل معه توقعاته أينما ذهب، لكن نتيجة الاستنفار لم تكن أبعد مما حدث على الساحة الافتراضية، فردود الفعل كانت نسخة مطابقة لمراحل ما قبل الانترنيت من الجانبين.

أتمنى من الجميع أن يقوم بتحليل الخطاب الذي ظهر سواء كان تغطية خبرية أو مجرد كلمات قليلة على التويتر، وأتمنى أن ننظر إلى سورية بعد أن أصبح الفضاء الافتراضي هواية الجميع من زاوية الزمن القادم فنكتب أو "نرد" (الفضاء الافتراضي يستخدم هذا المصطلح بمعنى الاستجابة) وفق هذا الزمن.