الكاتب : نضال الخضري

ستبدو الصورة غريبة عندما يستطيع عازف بيانو ياباني إقامة حفلة في ذروة "الكارثة" التي ضربت بلاده، لكن اللغة الإنسانية تملك تعبيرا غير متوقع، وهي قادرة على "المواجهة" في ذروة الأزمة، وفي نفس الوقت فإنها تحمل "المجابهة" بشكل غير كلاسيكي، فالعازف الذي ترك مشاعره تفوح في دار الأوبرا يملك بلا شك قلقه وحزنه ومحبته لليابانيين، وهو في نفس الوقت يعرف أن دفق الحياة وحده قادر على تجاوز ما حدث...

عندما يتملكنا المستقبل فإننا نستطيع أن نقدم فرحنا لأننا نؤمن بأن المسألة تتجاوز المتابعة الإخبارية، ومثل عازف البيانو القادر على جعل المحنة بلغة إنسانية فإن التنقل على مساحة الوطن تظهر بقدرة التفوق على الذات، والدخول إلى عمق المستقبل الذي يحمل معه وجوه الأطفال المنتظر يوم جديدا كي توزع ابتسامتها.

ينتابني هذا الإحساس بالعجز عن التعبير في لحظات القسوة التي تحيط بنا هذه الأيام، لكنني أتذكر سريعا قدرة التواصل لعازف البيانو الذي قدم حتى مقطوعات لزياد الرحباني، فنقلنا سريعا عبر الدول والجغرافية، وجعلنا ندرك أن مسألة التواصل لا تحتاج إلى تنظير أو تفكير، وحتى مع وجود الفيس بوك فإن روعة الاحتكاك بالآخر فيها تنوع باللغة وبأسلوب الدخول إلى العمق.

نحن هنا نعيد رسم العالم العربي داخل عقولنا، ونعيد كتابة الكلمات المألوفة بألق جديد، فحتى لو أصبح "التدخل الدولي" قدرا، لكن العمل الليبي بدأ بأيد ليبية، فهل يمكن أن ينتهي بطائرات فرنسية؟! وهل بالإمكان أن نقدم صورتنا بعد حذف التطورات الأخيرة؟! لنتذكر عازف البيانو الياباني الذي كان قادرا على الانطلاق رغم "غضب الطبيعة" فنقلنا معه إلى فضاء مختلف، ولنتذكر أيضا أن ما حملته الثورة المصرية هو "رمز" لا يمكن أن ينزاح من العقل، وأن التاريخ لا يمكن استرجاعه لكنه يقدم الزخم للجميع، فوراء الأفق هناك صور لم تظهر بعد وموسيقا يتم خلقها اليوم بشكل مختلف، فنحن أمام حالة خلق لا استطيع إلا أن أقول أنها خطرة لأننا لا نعرف شكلها النهائي، ولكننا في نفس الوقت لا نملك سوى الاستمرار والبقاء وإعادة التفكير بالمستقبل وبلغة ربما تكون مختلفة عن أي كلام قيل سابقا.

العازف الياباني كان ينقل إصرار الحياة... وهو قدم مساحة مكتملة من البقاء رغم كل الظروف، وهو ليس نموذجا لأن الحياة ستبقى بهذه الصورة التي لا تعرف التوقف فالتفكير بها يتجه نحو الغد، فلا نرتبك إذا ما فاجأنا القدر فنحتمي بالوطن، ونطوق أنفسنا بالمجتمع، ونعرف بأننا نملك كل الوسائل التي تجعلنا قادرين على البقاء والإبداع و الكتابة...