الكاتب : نضال الخضري

في كل ما يحدث تبقى صورة الأطفال، وسواء كان الحدث ليبيا أو فلسطينيا أو في أي بقعة من الوطن فإن المقلق هو الوجوه البريئة والأجيال التي سنترك لها تبعات ما قمنا أو نقوم به اليوم، وبالتأكيد فإن ثقتي بالقادم تبقى أقوى لكنني أبحث عن المساحات التي سيدخلها الأطفال ويتذكرون عبرها أجيالا مرت، تماما كما أفكر اليوم بأجيال سابقة أصبحت وفق المنطق تراثا.

ما أبدأ به هو "الثورة" كحدث عربي، وما أنتهي إليه هو تلك الدماء التي تجري في عروقنا، فالإعلام يقدم دراما طويلة بينما تحترق أعصابنا على إيقاع الصور التي لا تقدم في الشاشة سوى البرود، لكنها تحمل على الأرض أحلام الناس ومشاعرهم وخوفهم وحتى حبهم لأوطانهم، ففي "صراع الحرية" يصبح النقل المباشر أداة تتلاعب بنا أحيانا رغم أنها تنقل الحقيقة، لكنها حقيقة تدهسنا وهي تحاول أن تنقل رسالة واضحة: ما يجري من حولنا يعيش في داخلنا وليس مجرد صور، وما نشاهده من وجوه بريئة سقطت هي في النهاية ضحكات تمت سرقتها على أمل أن يضحك الآخرون... هل هذا تشاؤم؟ هو محاولة تصويب لنوعية التأثير الإعلامي وكيف يجعلنا نتعدى عتبة القلق، فتصبح الدماء زجاجة تجرحنا أينما سالت.

لينقل لنا الإعلام ما يشاء وهي وظيفته، وليتلاعب بنا "التويتر" وكأنه جندي في المعركة يتنقل، لكننا نقف كل مساء أمام الأرق الذي يحولنا لأجساد تحترق فلا نعرف أين نذهب، فالسياسيون قادرون على التحول والانتقال على مساحة الإعلام بينما نبقى نحن نتلقى الصدى الأخير لطلقات اخترقت جسدا أو لمدفع يقصف الأبرياء، ونبقى أيضا كائنات إعلامية تبحث عن "الدروس" التي لقننا إياها الإعلام، وهو مشكور على جهوده رغم أنها أرهقتنا.

هناك تلك الحيوية المقتولة عبر الصورة... لكنها في نفس الوقت تجعلنا ندرك كم من الزمن مر قبل أن نصل لتلك الحالة من الشد العصبي، فـ"الثورات العربية" تمتد فوق تضاريس جسدنا أيضا، ونرحب بها رغم أنها تخط شارات الزمن على الوجوه فنبدو كهولا أمام دفق شبابها وقدرتهم على الاحتفاء بالتغطية الإعلامية.

في النهاية تبقى صور الأطفال قابعة على قلوبنا لأن ما يحدث سينتقل إليهم بالتأكيد، وستغدو المساحة المنتهية من زمن التحول نارا تجعلنا مستيقظين وربما هائمين ما بين مساحات العالم العربي ننتظر خبرا جديدا يعيد لنا البريق الذي أصبح خافتا لكننا أصرينا على ملاحقته وحلمنا أن يلامسنا يوما كي نستعيد قدرتنا على الإبداع.

لا أعرف هل أقبل هذا الزمن أم أغمض عيني لأترك للأجيال الجديدة إكمال الصورة التي بدأت بتكوينها؟! هي بلا شك أقدر على لملمة حزني وإطفاء أسئلتي.