الكاتب : نجيب نصير

ليس الحوار من أولويات الثقافة السورية حتى الآن، ولكن سرعة التطورات العالمية من معلوماتية وميديا ومصالح أممية معقدة، لا تترك الخيار لأي كان أن يستغني عن الحوار بمعناه الواقعي المعتمد على تزاوج الحقائق مع المصالح.

اليوم في خضم الحدث السوري، تبدو المسألة تحتاج الى حوار (أو أنها آلت الى الحوار) من النوع الذي لم تعتد عليه الثقافة الإجتماعية السورية (سياسية كانت أم إقتصادية أم حقوقية) شعبية كانت أم حكومية، فما تم طلبه في خضم هذا الحدث تمت الإستجابة له وإقرار أحقيته من أطراف الحدث كافة، ولكن هذا الإقرار يحتاج الى تنضيج ومتابعة وإختبار وعلانية، عبر ثقافة جديدة تبدو حيالها ثقافتنا الإجتماعية السابقة غير صالحة للتداول، بل وقابلة لتشويه الحقوق التي طولبت وتم الإعتراف بها، عبر خطبة رعناء على هذه الفضائية الفضائية أو تلك.

اليوم الحوار هو سيد الموقف حيث يجب احتماله على حقيقته دون وجل أو مماحكة، ليس لإنه هناك حاجات حقيقية للشعب يجب تثبيتها وممارستها، بل لإن الآلية الثقافية الجديدة في هذا العالم المعولم، لم تعد تستطيع التعامل مع هكذا منتجات ثقافية لا تصلح للإستهلاك الإجتماعي ولا تقو على تحريك عجلة الإستمرار الإجتماعي، من هنا يبدو أن على أي حوار أن يتم بالعقلية الجديدة القادرة على إبصار المصالح الحيوية للمجتمع، والذي يتطلب الخروج من ثقافتنا الإجتماعية التي تكلست أمام الإنجاز التقني الهائل للأفكار ووسائل نقلها، ليشكل الحدث السوري صافرة بداية لعملية سياسية إقتصادية حقوقية مرئية بعين هذه الثقافة التي ترنو الى التوغل قدما، تاركة التراجع والإنحطاط لخطباء الفضائيات الحانقين.

خصوصا أن ما تريده الناس هو فك الاستعصاء بين البنية الثقافية المتداولة، والبنية الثقافية المتداولة في العصر، وهو أمر مجتمعي لا يخص الحكومة وحدها ولا الشعب وحده، فالفاسدون على سبيل المثال الذين يطلب الشعب مكافحتهم هم من الشعب أيضا، وأنتجتهم الثقافة الإجتماعية التقليدية التي تكلست بحكم التطور، الأمر الذي لم يعد يتناسب (بغض النظر عن القبول والرفض وطرائقه وأساليبه) مع الواقع الحياتي نفسه، في إحالة جزافية الى الإنسداد الثقافي الذي يمكن أن يفتح له مسارب جانبية أو على الأغلب خلفية ثعالب الفضائيات وكل أصحاب النوايا والأفعال السيئة ، على حساب حواريعتمد العقل، فعال وعلني.

هذا الحوار وبهذه المواصفات يجعل شعار (تحت سقف الوطن) شعارا مقبولا وفعالا هو الآخر، لإنه يقطع الطريق على الثعالب الذين يلعبون على الحنق الإجتماعي ليحولوه من مطالب محقة، الى مسارب كارثية لا تبق ولا تذر.

وفي حوار تحت هذه المواصفات، لا يبق من المسائل ما لا يناقش، فالدستور والقوانين والحريات والأحزاب الخ كلها قابلة للوضع على الطاولة.

حيث تظهر جدوى الحدث السوري بمعانيه النبيلة، وجدوى محتجيه وشهدائه، بإطلاقه صافرة البداية للحوار المجتمعي.