دمشق _ مازن بلال

التطور اللافت أمس كان في لقاء الرئيس بشار الأسد مع ممثلي العشائر الكردية، ورغم أن اللقاء غاب عنه الممثلون السياسيون للأكراد، لكن بعض المصادر أكدت أن هذا اللقاء هو جزء من الحراك العام الخاص بتسوية بعض الأمور العالقة على مستوى مسألة التجنيس أو حتى بعض المطالب بشأن الحقوق الثقافية، معتبرة أن ما تسرب عنه مؤشر على تعامل جديد بشأن السوريين من الأكراد.

ويشكل بقاء الأحزاب الكردية خارج العنوان الإعلامي على الأقل مجالا لطرح أسئلة مستقبلية حول طبيعة الخارطة السياسية في ظل عمليات الإصلاح وعلى الأخص مسألة قانون الأحزاب، فجريدة الوطن التي نقلت أمس التمسك بالأساسيات في هذا الموضوع مثل عدم السماح لأحزاب ذات صفة أثنية أو مذهبية أو جهوية ربما يحكم صورة التعامل الحالي مع الموضوع الكردي، هذا إضافة لرؤية عامة تبلورت في مراحل احتلال العراق وربما أثرت عليها الظروف الإقليمية.

عمليا فإن الأجواء التي تلقت لقاء الرئيس مع ممثلي العشائر الكردي تحمل معها اتجاها لتكوين بيئة تتيح لمسألة "التجنيس" ظروفا أفضل، لكن تجاوز هذه الأزمة ربما لا يحمل معه إعادة رسم التصور لمسألة "السوريين الأكراد" على الأخص أن بقاء الأحزاب الخاصة بهم خارج دائرة الضوء سيعيد طرح "برامجهم السياسية" من جديد، فالتعامل مع العشائر الكردية بشكل مباشر هو طريق باتجاه النسيج الاجتماعي القائم وليس عبورا إلى "التشكيلات الأعقد" التي تحمل معها في كثيرا من الأحيان "خارطة" تبدو مختلفة.

لكن على ما يبدو فإن السياسة السورية تنطلق في هذا الأمر من ثلاث اعتبارات: الأول هو إعادة الاعتبار لمسألة المواطنة ولو بحقوقها الاجتماعية على الأقل، لأن هذا الأمر سيفتح الباب لرؤية أوسع لما سيقدمه التنوع السوري، ولكن في نفس الوقت فإن النشاط الخاص بالسوريين الأكراد يبرز إعلاميا من خلال الأحزاب التي تراجع ظهورها في السنوات الأربع الماضية، رغم أن بعضها كان له أعضاء في مجلس الشعب كمستقلين في أوائل التسعينات.

الاعتبار الثاني يظهر في النشاط السياسي السوري خلال السنوات الماضية وعلى الأخص مع تركيا، فهناك نظرة أكثر توسعا على اعتبار أن المسألة الكردية تملك طابعا ربما لا تحكمه فقط السياسة السورية، فالتأكيد على الطابع الوطني للموضوع لا ينفي أن الأبعاد الإقليمية تدخل في كثير من الأحيان، وينعكس التفكير باتجاه التداعيات التي تتجه إقليميا لتصب في سورية، فالأسئلة التي تواجه هذا الموضوع هو التأثيرات المتعلقة بالحدث الكردي إقليما على الداخل السوري، وبالتأكيد فإن التواجد الكردي خارج سوريا وعلى الأخص في أوروبا لا ينظر إليه وفق التقسيمات الوطنية لدول الشرق الأوسط، فهو يتعامل مع "كل كردي"، ثم يركز على "السلوك السياسي" لكل دولة.

بالطبع فإن المسألة اكتسبت طابعا مختلفا اليوم بعد ظهور إقليم كردستان العراق، وهو أمر يشكل الاعتبار الثالث لأنه يفتح الأسئلة المرتبطة بمستقبل هذا الإقليم وعلاقته مع الحكومة المركزية في بغداد وصولا إلى تأثيراته على وحدة العراق، فبعيدا عن الأحكام المسبقة فإن مستقبل وحدة العراق مازال يقع في المساحة الرمادية، ويبقى إقليم كردستان العراق مثار تساؤلات من ناحية تأثيره على محيطه أو دوره القادم في تكريس وحدة العراق، فهو نموذج لا يدفع سورية فقط إلى الحذر بل أيضا تركيا وإيران اللتان تجدان أن مثل هذا النموذج يرفع السقف الخاص بالموضوع باتجاه الحكم الذاتي وربما "الانفصال" الذي لم يطرح حتى اللحظة لا في العراق ولا في أي منطقة أخرى، لكنه يبقى ضمن الاحتمالات الواردة في ظل التوزع الكبير للأكراد في الشرق الأوسط.

ما يظهر اليوم وعلى الأخص مع مسألة "التجنيس" وإيجاد بيئة مختلفة للتعامل مع الموضوع لا يتعلق باختبار النوايا فهذا الأمر تم تجاوزه سابقا، بل يتعلق بنوعية التجربة السياسية التي ستخوضها الأحزاب الكردية التي بدأت عام 1957، فهناك تصور يمكن أن يطرح سواء منها أو من المجتمع بشكل عام أو حتى من قبل الدولة التي ستصل إلى نقطة التعامل سياسيا مع هذا الموضوع إذا سارت الإصلاحات بشكلها الاعتيادي وتم طرح قانون للأحزاب، فمسألة الحوار على أساس رسم هذا الموضوع وربما وضع الخارطة السياسية التي يمكن أن يتواجد فيها النشاط السياسي للسوريين الأكراد هو المهمة المشتركة في المستقبل.