الكاتب : ربى الحصري

الحقيقة أني سئمت قبل أن أسمع الصوت من دمشق، فحدثني عن عاصفة رعدية وكأنها تحدث للمرة الأولى في سورية، لكن ما يهمني هو بعيد عن الطقس، لأن الإعلام يقع اليوم في مكان اعتقد انه الأخطر منذ ان بدأت الأحداث، فعندما نبحث عن نزوح فإننا بالفعل ندخل مجال "الحروب الأهلية"، والمرعب هو ذلك التركيز على مسألة النزوح الذي يوحي بأن الأمور خرجت عن نطاق السيطرة....

أصوات كثيرة هاتفتني تحمل نفس القلق، وكان من الصعب الوصول إلى نتيجة نهائية، فالصوت من دمشق كان مطمئنا لكن الصورة الإعلامية أرادت رسم حالة معاكسة تماما، وفي تحليل محتوى الصورة لم أسهد شيئا يوحي بهذا الأمر، لكن ما أرعبني هو "التحضير" له إن صح التعبير، فالإعلام على ما يبدو يحمل ذلك التصور المسبق للمعركة ويفرضها على أرض الواقع، وتذكرت أن المسألة يمكن رسمها قبل أن تصبح أمرا واقعا على الأخص إذا بقيت الدائرة الإعلامية هي الحلقة الأساسية في الصراع.

المسألة السورية يجب أن تخرج من تلك الحلقة المفروضة عليها إذا أردنا بالفعل أن نجد مخرجا حقيقيا لها، ورغم أني أعرف خطورة التعتيم الإعلامي لكن المطلوب هو أن لا يصبح الإعلام غرفة العمليات الأساسية للحدث السورية لأن المعركة الأرض كما أقرأ هي اجتماعية وسياسية داخل وطن واحد، فالعدو اليوم ليس الإعلام وهو في نفس الوقت ليس المؤشر الوحيد للحراك ولا الصديق الوفي، ولكن أن يبقى العامل الوحيد المؤثر على المناخ السوري فإن نتائج مثل هذا الأمر ستكون كارثية.

في التفاصيل اليوم روايات متناقضة، لكن حدتها خفت قليلا خلال الأسبوع الأخير، وربما خف عدد شهود العيان وفي نفس الوقت فإن تواجد المراسلين هو أساسا ضعيف، دون الدخول في الأسباب، فالمشهد الأساسي لن يتيح للإعلام تحقيق أسبقية أو ملاحقة الحدث على امتداد الأراضي السورية، وهذا الأمر انعكس على شبكة الانترنيت كفائض افتراضي غريب، ولو أن الإعلام تجاهل الكثير مما ينشر لما وقعنا في دوامة البحث عن حقيقة الدوافع الاجتماعية التي تحرك الاحتجاج أو المظاهرات، لكن السيناريو على ما يبدو سار بطريقة مختلفة، ومن العبث توزيع الاتهام اليوم سواء على المؤامرة أو على السلطات السورية، فالمعركة خارج هذا الإطار لأن عمقها الحقيقي هو داخل المجتمع، بينما يسعى الإعلام للقفز على المسائل لرسم الحدث السوري بشكل يكسبه تلك الميزة التي تجعله في العناوين الرئيسية.

من يخرج سورية من دائرة الإعلام المغلقة هو شعبها، فعندما يستطيع أن ينقل الاحتجاج إلى مساحة فعل اجتماعي إضافي عندها نبدأ بتفكيك مفاصل الأزمة، بالنسبة لي لم أسمع سوى أصوات القلق من أصدقائي خلال الأسابيع الماضية، وكانت المسألة بالنسبة لهم ليست في تسجيل المواقف بل في عدم القدرة على معرفة الخطوط القادمة، فهم على الأقل لا يستطيعون معرفة الصورة السياسية القادمة، وزاد التشويش طبيعة معارضة الخارج التي كانت قادرة على التحرك أكثر من كل السوريون أنفسهم فحركت الإعلام معها، وأنا هنا افترض حسن النية عندهم رغم أنه غير موجود فأنا أعرف هذه المعارضة عن قرب وأعرف حتى تحضيراتها، لكن لنجعل معرفتي خارج الإطار، ففي النهاية هناك نقطة وحيدة فيها مسؤولية مشتركة: كيف يستطيع السوريون تحريك الأمور لدفن القلق، بحيث لا يصبح التظاهر احتجاجا مرعبا للمجتمع والسلطة، ويتحول التظاهر إلى تحرك يمكن أن يدفع الحراك السياسي والمطالب بدلا من يبث الخوف والقلق؟!