الكاتب : مازن بلال

بث التلفزيون السوري أمس اعترافات لعناصر تم إلقاء القبض عليها تتحدث عن عمليات تخريب واسعة تم التخطيط لها بشكل منظم، وفيما تشكل هذه الاعترافات مؤشرا على أن عمليات الجيش شارفت على الانتهاء، فإن بعض الفضائيات العربية والدولية نقلت عن ناشطين حقوقيين أن الدبابات قصفت "بابا عمرو" في محيط حمص، لكن حركة الحدث السوري على ما يبدو بدأت تخرج من دائرة الروايات والروايات المضادة وذلك مع آلية دولية تحاول العودة مجددا على مسألة الضغط الدبلوماسي، فالتحقيق في اغتيال الحريري عاد ليرسم اتهامات جديدة، حيث سلم المدعي العام الدولي دانيال بيلمار نسحة ثالثة من "القرار الاتهامي"، بينما تحدثت مصادر فرنسية عن توجه نحو إعادة اسم سورية إلى قضية اغتيال الحريري.

عمليا فإن تحرك الحدث السوري ابتعد بشكل سريع عن مسار "الاحتجاج" أو "التظاهر"، رغم أن هذين المظهرين بقيا المادة الأساسية للحديث عن مستقبل سورية والمنطقة، لكن المؤشرات بعد شهرين تقريبا من اندلاع "التظاهرات" تعطي:

إن الحالة الإعلامية كانت شرطا أساسيا للحدث السوري، لأنها أعطته الأبعاد التي لم يكن باستطاعة "المحتجين" أن يقدموه، على الأخص أن ظاهرة الاحتجاج لم تقدم نموذجا لـ"إرادة عامة"، بل ربما على العكس فإن الصراع على الإرادة العامة رسم السياق العام للحدث السوري، فالمسألة ليست المبالغة الإعلامية بقدر وضع الحدث في موقع آخر بحيث يصبح "التظاهر" وكأنه مسار عام باتجاه تحولات كبرى من الصعب أن تحصل دون إرادة عامة.

إن النتيجة الأساسية لمسألة الصراع على الإرادة العامة هو سير الاحتجاجات نحو كسر الوحدة الاجتماعية، ومن هنا يمكن أن نفهم مسألة "الفتنة" التي برزت مبكرا في الخطاب الإعلامي السوري، فعدم القدرة على كسب الرأي العام ستنتقل باتجاه حالة أصغر أشعلت بالفعل حساسيات هددت البلد بشكل خطير.

إن مسألة العصيان المسلح ربما تحتاج إلى زمن حتى نستطيع فهم موقعها الحقيقي من الحدث السوري، فالجيش لا يحتاج إلى تدخل بهذا الحجم لإخماد التظاهرات، فمسألة السلاح ربما كانت منذ البداية "خيارا" مفتوحا بالنسبة للبعض، أو حتى بالنسبة لمناطق بعينها، وربما يفسر هذا الأمر تفاوت نوعية الاحتجاجات التي شهدتها سورية خلال الأسابيع الماضية، فحتى نوعية المطالب كانت مختلفة.

المشهد الدولي يعبر داخل مساحة الحدث السوري عن "الرهانات" التي ظهرت مبكرا، سواء عبر زج اسم حزب الله وإيران، أو الحديث عن نصائح تركية، وصولا إلى مجلس الأمن الدولي وأخيرا العودة إلى موضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، فمسألة ما تسميه الإدارة الأمريكية "السلوك السوري" تبدو في قمة "هرم النتائج" للحدث الذي أصبح من الصعب فصل موضوعه الداخلي عن الخارجي بشكل كامل.

المؤشرات بمجملها قدمت أيضا رد فعل سياسي ظهر من الحكومة التي تصرفت بشكل مختلف عن النماذج السابقة لها، فالعملية السياسية تبدو ممكنة حتى اللحظة، ولقاءات الرئيس بشار الأسد مع فعاليات من المحافظات في جوهرها تعيد رسم "المساحة السياسية"، لأن المهم ليس التواصل فقط بل أيضا إخراج الأزمة من إطارها الضيق، حيث تبدو التصريحات التي تخرج بعد كل لقاء وكأنها مراجعة تاريخية كاملة وليست محصورة بزمن محدد مرتبط باندلاع التظاهرات.

يبقى بان الموقف الدولي هو المسار القادم، لأن الحدث الداخلي يمكن في أي لحظة أن يأخذ المنحى الخاص بالعمليات السياسية، أما مسألة العقوبات التي تم اتخاذها فهي أيضا تحتاج لمسار جديد رغم أن الموقف الروسي والصيني مازال يحد من تأثيرها.