الكاتب : مازن بلال

وسط الحدث الداخلي الذي فتح أمام المجتمع السوري أسئلة عديدة، وربما تحديات مختلفة عن السابق، جاءت ذكرى النكبة التي أعادت مسألة الجولان إلى الواجهة، فما حدث أول أمس لم يكن في مسألة "مسيرة العودة" فقط، بل أيضا بين أن الحدود مع "إسرائيل" تحتاج لقراءة مختلفة عن تلك التي تصدر بشكل مبتسر من وسائل الإعلام.

بالتأكيد فإن بعض وجهات النظر خرجت سريعا، موحية بأن سورية تحاول الالتفاف على "مأزقها" الداخلي، ومعظم التصريحات الإسرائيلية كانت في هذا الاتجاه، ولكن حتى ولو حكمنا على النوايا السورية وحاولنا وضع تصور مسبق فإننا في النهاية أمام نتيجة أساسية مرتبطة بحقيقة التشابك داخل الصراع العربي - الإسرائيلي، فأعنف ما حدث كان على الجبهة الشمالية في لبنان وسورية، أما في الأردن فيبدو أن مسألة التحكم بـ"مسيرة العودة" تأثر ربما بالحدود الطويلة وبالشكل السياسي الأولي الذي ألحق "الضفة الغربية" بالأردن منذ عام 1948.

ما حدث لم يكن يحمل أي "لون عسكري" بل مشهدا لما أطلقت عليه "الصحافة الإسرائيلية" الطوق الذي يمكن اعتباره نقاط الإخفاق الاستراتيجي بالنسية للاحتلال، حيث تبقى مسألة "خطوط وقف إطلاق النار" مناطق الأزمات المستمرة وهي تنعكس حتى باتجاه الداخل السوري او اللبناني أو حتى الأردني، بينما يتضح أن البعد المصري هو عسكري محض فهو لا يحتمل سوى التعامل بحرب الجيوش.

انعكاس الجبهات على "دول الطوق" يحدد الكثير من المسارات السياسية الداخلية، ونحن هنا لا نتحدث عن تبرير لـ"الاستبداد" أو غيرها من المصطلحات، بل نحاول نقل بعض الأسئلة التي يمكن أن تدخل على "طاولة الحوار" التي يتحدث الإعلام عنها، او حتى عن أي تصور ديمقراطي قادم، فنحن نجاور "دولة حرب" وهو أمر يفتح ثلاثة أسئلة:

الأول - أن هذه الدولة تحمل شكلا ديمقراطيا يتم فيه مقارعة الأنظمة العربية، لكن هذه الديمقراطية مركبة أيضا على الاحتمالات العسكرية، فالأحزاب جزء من الجهازر العسكري، وهي أيضا تدعم "ميليشا" المستوطنين، فهذا الشكل القائم على "عصبية الخوف يحمل آليات ديمقراطية، ونحن هنا لسنا في مجال دراسة التكوين لكنه يقدم لنا "حالة الاستثناء" التي نواجهها وربما علينا التكيف سياسيا مع هذا الواقع الذي يمكن أن يستمر لفترة طويلة.

الثاني - إن أي حراك سياسي ربما ينظر إلى مسألة "إسرائيل" كحالة من البديهي اتخاذ موقف معاد ضدها، لكن الأمر لم يعد بهذه البساطة مع التشابك السياسي العربي والإقليمي مع الاحتلال، وهو أمر ربما يدفع إلى النظر باتجاه الأحزاب القادمة وخصوصا برامجها السياسية التي يمكن أن ترسم خارطة الصراع بشكل مستقل ومرتبط بالحقوق وبالوجود الثقافي لنا في ظل بقاء دولة تصر على هويتها الدينية داخل محيط متعدد الأديان والمذاهب.

الثالث - هو مسألة "الدفاع الوطني" الذي يبدو أنه يقع في منطقة رمادية تجاه بعض أطراف المعارضة الذين أرادوا ومن الخارج اقتناص اللحظة السورية الحالية، فالحراك السياسي ليس مطالبا بتحديد موقفه بل بتحديد آليات تجسيد هذا الموقف تجاه هذه المسألة بالذات.

داخليا فإن الأمور تبدو معروفة سلفا لكن الحركة السياسية ستكون مختلفة عندما يتداخل الخارجي مع الداخلي، وهذه المسألة ربما ستكون جوهرية في إطار "الحوار الوطني".