سيختلف الجميع حول الطريق التي سلكها السفير الأمريكي باتجاه حماه، وبالتأكيد لا نقصد هنا نوعية المواصلات التي تم استخدامها والمنافذ التي دخل منها، فالطريق هو الرؤية التي حملها معه أو دفعته ليقول أنه قادر على التأثير في مدينة تبقى إشكاليه رغم كل الظروف السياسية التي مرت بها.

التحليلات السياسية ستتشعب لكن الأمر خارج السياسة يبدو مقلقا، فحتى الغد القريب كان الوطن موجودا خارج البحث عن هوية داخل السفارات، وكانت العقدة السورية في نوعية التشكيل المعقد الذي تسلكه السفارات لشبك خطوط مع القوى السياسية السورية إن وجدت، واليوم الأمر يبدو مختلفا فالخط الأحمر الموجود باتجاه "السفارات" كسره السفير نفسه وذلك بغض النظر عن إيقاع التحرك الشعبي الذي رفض ما يجري، أو البعض الذي اعتبر أن هذا الحدث ربما يشكل "حصانة" أمريكية أو دولية للحدث السوري.

السفارات في سورية كانت تملك مساحتها في بداية الخمسينيات، وكل من يراجع وثائق تلك الحقبة يعرف تماما نوعية العمل السياسي الذي كان يُحبك في أروقتها، وحتى زمن ليس بالبعيد كان اللجوء إلى هذه الطريقة يشكل خطرا فادحا فهل أراد السفير الأمريكي إزالة مثل هذا الخطر بنفسه؟

في سورية تراكم وطني كون منذ الاستقلال الخط الأحمر الذي أراد كل من السفير الأمريكي والفرنسي تجاوزه أو إقناع السوريين أنه لم يعد موجودا، والأجيال القديمة تدرك الصعوبة في مسألة الثقة مع السفارات، أو حتى في نوعية التعامل مع "غرباء"، لكن كسر هذا الحاجز كان واردا منذ أكثر من عقد من السنوات، فعمل السفارات أصبح مسلحا بكم هائل من الدورات وورشات العمل والمنظمات غير الحكومية التي تطورت في مساحة العالم الجديد، وهو ما خلط الأوراق أمام شباب أرادوا اكتساب معارف كانت تتطور باستمرار، وإذا كنت أحاول الابتعاد عن اتهام المنظمات غير الحكومية أمريكية أو أوروبية بالتورط في الشأن الداخلي السوري، فإنني في نفس الوقت ربما أجد مساحة في انحسار العمل السياسي الذي جعل نشاط الشباب لا يحمل رؤية واضحة حول طبيعة التعقد الحاصل في العالم المعاصر.

ما قامت به الجمعيات غير الحكومية أو نشاط السفارات هو من طبيعة العمل الدبلوماسي، وهي تعرف تماما ان قدرتها على الاختراق مرتبطة بالبيئة التي تعمل بها، وهي أيضا لديها مصالحها لأن المنظمات غير الحكومية ليست جمعيات خيرية، وعمل السفارات معلن عنه لخدمة مصالح البلد التي تقوم بنشاط ما... لا أحد يختلف على ما سبق، ويبدو أن مثل هذه النشاطات أسست مناخا مختلفا في ظل عدم وجود منظمات مجتمع مدني كافية في سورية، ويبدو أيضا أن السفير الأمريكي وبوقاحة أعلن أنه يتوج تطورا أساسيا في شبكة المصالح، وأن مسألة الإرادة السورية مفتوحة اليوم على احتمالات يتم حسابها في أماكن متعددة، فهل يمكن أن يصبح تصرفه دون أي نتائج؟

أتخيل النتيجة الأولى فقط وأترك الباقي... أتخيل أن نعيد التفكير في طريقة التعامل مع الأزمة وبأننا يمكن أن نصبح مركز تفكير بدل تشويش... أتخيل أن ما قام به يمكن أن يحرك وعيا جديدا.. أتخيل وأتمنى...