يتفنن البعض بالحديث عن الأغلبية الصامتة، أو تلك التي تقف في منطقة رمادية، لكن هذه "الأغلبية" كانت موجودة دائما في ساحاتنا التاريخية والتراثية وحتى المعاصرة، ومن لم يصدق فليرجع قليلا إلى الأوراق الصفراء ومخطوطات ما قبل عصر المماليك وما بعده، وليراجع أرشيف الجرائد ليكتشف أننا دائما نعيش على وهم هذه الأغلبية.

هذه الأغلبية تثرثر أكثر من اللازم والإعلام يعرف تماما كيف يخاطبها، فهناك آلاف القصص التي تنتقل مثل الأمراض المعدية، فمجالسنا أصبحت مستقطبة في حوارات من مع ومن ضد، وأصبحت الصور المتراكبة لهذه الأغلبية التي تنتظر صراع كسر الإرادات كي تبقى تثرثر ولكن ضمن مواقف جديدة، وبالمناسبة هي ليست "أغلبية" لكنها قادرة على إيهامنا بأنها تملك المزاج العام، وحديثها اليومي في هذه الأزمنة عن "المناطق الساخنة".

إحصاء القتلى حسب الأغلبية الصامتة، أو المتوقفة بالمنطقة الرمادية حسب البعض، توصلنا لأرقام تُبهج منظمة العفو الدولية، وعمليات الذبح أو جرائم الشبيحة حسب موقع المتحدث من هذه الأغلبية، تتصاعد في متوالية هندسية بحيث يمكننا التنبؤ بنهاية الشعب السوري خلال حزيران القادم.

هذه الأغلبية هرعت لشراء الرز والخبز والسكر عندما سمعت أن هناك حسم عسكري، ورغم أننا لم نشاهد هذا الحسم النهائي لكنها مازالت مستمرة في عمليات الشراء للمواد الاستهلاكية، وبيع الروايات ولو بشكل مجاني، والغريب أنها كلها تملك أقرباء في حمص وأدلب وريف دمشق، وفي نفس الوقت لديها معارف على أعلى المستويات كي توثق رواياتها بما يوفر لها إسكات من يرغب في تكذيب رواياتها.

هذه هي الأغلبية التي فقدت في الأحداث الأخيرة أي نوع من الضبط على المعايير في التقييم، فهي قادرة على التقييم السياسي والحقوقي وحتى الطبي، لأنها تشرح لنا الأشرطة المصورة التي تنقل القتل إلى منازلنا، فتؤكد صحة الشريط من تحليل نوع الإصابة أو تعتبره مفبرك وهي جالسة على مقعد وثير أو وراء شاشة كومبيوتر لتتعامل مع الفيس بوك.

أسوء ما جرى أن "هذه الأغلبية" ليست رمادية فهي تملك المواقف مهما كان نوعها لكنها في نفس الوقت ليست مستعدة إلا لـ"الثرثرة"، فالمسألة بالنسبة لها بيد الآخرين وهي لا تملك سوى تناقل الروايات وتدعيمها بمساحات إضافية من المناخ المتوتر.

بدون مؤسسات سياسية لا توجد أغلبية أو أقلية، وبدون برامج واضحة من العبث استخدام هذا المصطلح، فكل الحديث عن "استمالة" هذه الأغلبية هو نوع من الافتراض لأن من يريد سحبها إلى جانبه عليه أن يقدم مؤسسة ببرامج واضحة بدلا من التحليل والتركيب دون معنى، ففي سورية لا توجد مناطق رمادية في هذه اللحظة طالما أن الوضع أصبح محكوما بالقرارات الدولية، وطالما ان المؤسسات السياسية مازالت ضمن أشكالها التقليدية، أما الباقي فهو مجرد "ثرثرة ثورة".