تبدء المسألة بنوعية التكسير السياسي الذي شهدته سورية بعد الفيتو الروسي – الصيني، فالدبلوماسية الأمريكية والخليجية أعادت رسم المشهد السياسي على طريقتها، وإذا كانت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية سحب سفرائها للتشاور، لكن دول الخليج تجاوزت كل الاحتمالات فأغلقت سفاراتها، وربما أنهت إمكانية البحث العربي حول حلول متوقعة بالنسبة للأزمة في سورية.

عمليا فإن المعارضة في الخارج لا تملك خيوط اتصال إلا عبر دول الخليج العربي، وهي اختارت هذا الخط ربما رغبة في كسب تأثير قوي فوقي إن صح التعبير، وهو ما يجعل تصاعد الحدث مرتبط بطريقة التعامل التي ترسمها تلك الدول، فعندما تغلق سفاراتها فهي تتجه بالتأكيد نحو مرحلة جديدة لم ننتظر قليلا حت شاهدناها، فهناك أمرين أساسيين ظهرا بشكل مباشر:

الأول شكلت تلك الخطوة مواجهة لأي حوار ممكن، فإغلاق الهامش السياسي بالنسبة لدول الخليج هو إنهاء لأي اتصال لأطراف معارضة وعلى الأخص المجلس الوطني بأي عملية سياسية ممكنة في سورية، وحتى المسعى الروسي سيدخل في تحد أساسي مع هذا الموضوع، حيث سيذهب نحو الولايات المتحدة التي تملك التأثير الأعلى على المعارضة في الخارج.
دول الخليج لم ترفع الموضوع السوري لمجلس الأمن فقط، بل وضعته في مساحة المجابهة الدولية، وربما يكون هذا الأمر رغبة أمريكية بالدرجة الأولى، لكنه يعقد المعالجات السياسية ليضعها ضمن حزمة دولية، وهو ما ستتعامل معه موسكو بكل تأكيد، لكنها في نفس الوقت ستجد نفسها أمام مشهد واسع جدا يتجاوز الوضع في الشرق الأوسط.

الثاني هو الرسائل السياسية من مسألة إغلاق السفارات لمن يشكلون التمرد المسلح ومهما كانت ولاءاتهم، فهم منذ أكثر من خمسة أشهر يشكلون عامل الاضطراب الأساسي، ةبالتأكيد وصلت الرسالة بشكل سريع ليس فقط من خلال تفجيري حلب، بل أيضا من حجم العنف الذي تم استخدامه خلال الأيام الماضية.

دول الخليج تلعب بأدوات تختلف تماما عن التعامل السياسي، ابتداء من الفتاوى التي تصعد العنف وانتهاء بالتركيز الإعلامي، وماحدث لا يعبر فقط عن إرهاب بل عن رسم شرعية له ظهرت بوضوح قبل أيام عبر تصريحات من سياسيين ورجال دين.

المعركة اليوم تنطلق من مساحة لا تملك أي معطي سياسي لذلك فهي تتسلح بالإرهاب، أما طرف الآخر سواء كان يمثل المعارضة أو حتى السلطة السياسية فهو مطالب أن يقوم ببناء السياسة وبأسرع وقت لمواجهة "بنية إرهاب" يتم تشكيلها بنفس الطريقة التي شُكل بها مجلس اسطنبول.