المتتبع للمسارات والتحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم بالتحديد يجد نفسه أنه أمام مشهد جديد عليه التعامل معه بواقعية.

فما خص الأزمة السورية بات ثمة مسلمات لا بد من أخذها في الاعتبار لترشيد أي قرار بهذا الشأن. وهذه المسلمات ليست برسم القيادة السورية فقط بل هي برسم جميع الأطراف والقوى والدول التي تم زجها بهذا الأتون.

  • المسلَّمة الأولى هي أن ما يجري في سورية لا علاقة له بالإصلاحات اللازمة والضرورية لتعزيز وتصليب سورية الدولة والدور والمآل. فقافلة الإصلاح والتطوير تسير وإن لم يسمع الآخرون واستمروا في النباح والنواح.
  • المسلَّمة الثانية هي أن الأزمة السورية لم تعد أزمة سورية الداخلية بل أزمة العالم الإستراتيجية بكل ما للكلمة من معنى بما فيها أزمة العالم العربي سواء أزمة الهوية وأزمة نظام الفكر والنهج المفقودة أصلاً في بنى الكيانات العربية التي تنتحل صفة الدول انتحالاً وهوية العروبة غطاء.
  • المسلَّمة الثالثة هي أن ما يحصل في سورية ليس استكمالاً لما يسمونه الربيع العربي بل هي حالة منفصلة تماماً عما جرى منذ أكثر من عام. فما يجري هو من طبيعة ووتوصيف مختلفين، بل يمكن القول إنهما من صنف الهجوم المعاكس على هذه الثورات. وما يحدث يأتي في سياق الانقضاض على ما يمكن أن تحمله هذه الانتفاضات من تغيير وإنهاء لآثار الاستعمار بكل أشكاله.
  • المسلَّمة الرابعة والتفصيلية هي أن الرهان على الجيوش المستعارة والمستأجرة قد سقط. ولم يسقط معه رهانهم فقط بل سقطوا هم أيضاً. وباتوا يبحثون عن مخارج لهم ولبقائهم وهم اليوم تحت رحمة قرارين اثنين الأول قرار سورية وحلفائها والثاني قرار إسرائيل وحلفائها من الدول الكواسر. لأن لب المعركة هو هنا وليس في مكان آخر كما يصور إعلامهم للتغطية على المعركة الحقيقية. وما عملية الإصلاح الداخلي السوري إلا أحد الأسلحة السورية في هذه المعركة الإستراتيجية.
  • المسلَّمة الخامسة هي عودة التوازن الدولي. وهو توازن كان مفقودا منذ بداية التسعينيات وأدى إلى اهتزاز كبير في العدالة الدولية ومصادرة قرار المجتمع الدولي لتأتي الأزمة السورية فيستعيد المجتمع الدولي حريته من أيدي مختطفيه.
  • المسلَّمة السادسة هي إعلان وفاة منظمة الجامعة العربية على يد منظمة الأوليغرشيات الملكية المتصحرة. وبالتالي ضرورة البحث عن منظمة أخرى أو منظمات تعبر عن تطلعات الشعوب العربية المتحضرة، إذا اقتضى الأمر، رغم أنه ليس أمراً ملحاً ومصيرياً في الوقت الحالي.
  • المسلَّمة السابعة هي انتفاء أي تورط عسكري غربي في سورية فالمنفذ الوحيد المتبقي لهذا التورط هو من جنوب سورية المحتل. وهو ما سيشكل انتصاراً سورياً تاريخياً وليس انتصاراً ظرفيا وبالتالي فمن الغباء أن يعتقد أحد بغباء عدوه لهذه الدرجه. قد يصح الاعتقاد أن العدو لم يقرأ جيداً الخريطة السورية أو أنه سار في الطريق الخطأ ولكن من الغباء افتراض الغباء.
  • المسلَّمة الثامنة هي أن رومانسية «الثورة» التي كان يجب أن يحملها الثوار في العالم العربي، كحق مكتسب لهم كغيرهم من شباب العالم الذين عاشوا هذه الرومانسية والحلم الثوري ويختزونها عزة لشيخوختهم، قد فقدت معناها وأُفرغت من مضامينها بسبب غفلانها للعامل الوطني والقومي.
    وذلك انتقلت هذه الرومانسية إلى آخرين اجتمعت فيهم كل عناصر الثورة الحقيقية من السعي للإصلاح والمواجهة وعرض البدائل لتي تعبر عن إرادة وأصالة سورية والحلم السوري. فواضح أن الثورة بكل عناصرها ورومانسيتها وجدت مكانها في عقول وضمير السوريين الذين رفضوا مغريات المال والجاه ورفضوا أن يكونوا وقودا للقطار الأميركي– الصهيوني– الانكشاري– الطوراني الجديد. فالسوري الجديد متجدد وثائر لا متصحر وتابع.

بناء على هذه المسلمات يمكن القول إن الأزمة السورية قد انتقلت إلى مرحلة ازالة آثار العدوان منذ أن كان هذا العدوان ومنذ أن أباحت الضرورات المحظورات.
عملية التجديد السورية ستأخذ بعين الاعتبار المسلمات الثمانية بالتأكيد، فكل المعطيات السابقة لم تعد الأرضية الصالحة لعملية التغيير والتحديث في سورية.

وكما كانت سورية عبر تاريخها الرافعة الأساسية للفكر القومي وكما تأسست في سورية الدولة العربية الأولى فإنها ستعيد تأسيس النظام العربي الجديد، نظام ما بعد الجامعة العربية.