لم يعد الكلام قادرا على تبديل الوقائع، فمهما كانت التحولات بشأن الدستور السوري قبل إقراره فإنها لن تكون جوهرية، فهي في النهاية ربما ستجعله على مساحة من النقاش، على الأخص أن القوى السياسية الضاغطة تجاه مثل هذا الأمر إما غير موجودة أو منشغلة بالصراع السياسي الدائر.

لكن المادة الثالثة تبقى محطة، فهي ليست مشكلة في الدستور بل أزمة ثقافية سورية بامتياز، وربما لم يشعر واضعو الدستور بالحرج من خرق كل ضوابط "المواطنة" الموجودة في المواد الدستورية عبر تحديد دين الدولة، فهم على ما يبدو مهتمون بحماية المكون الثقافي السوري، أكثر من اهتمامهم بمشاركة هذا المكون في إضفاء روح مختلفة على الدستور الخاص ببلد هو من أغنى بلدان العالم بتنوعه أو ربما بقدرته على التفاعل فيما بين أبنائه.

وهناك من سيتحدث عن الظرف السياسي، أو عن الطابع العام للأزمة التي ربما تفرض واقعا خاصا، لكننا في النهاية غير قادرين على وضع دستور جديد مع عودة الاستقرار، فالفرصة التاريخية اليوم ليست ممنوحة من طرف اجتماعي أو سياسي، وليست حكرا على اللجنة التي وضعت مسودة الدستور من أجل الاستفتاء، وفي المقابل فنحن أيضا أمام واقع سياسي من الصعب أن يعبر عن حالة المجتمع أو يمثله بشكل دقيق، وأخطر ما يحدث في هذه اللحظة هو أن "الدستور" يمثل خروجا من الأزمة، بدلا من أن يكون أفقا للمستقبل.

ليظهر الجدل وليتطور، فهناك حساسية ربما تنسفها مادة واحدة مهما حاول المشرعون خلق مواد تزرع الطمأنينة في بعض الشرائح الاجتماعية، ورغم أن الجدل لن يصل بنا إلى نقطة قادرة على رسم التوافق لكنه على الأقل يجعلنا نضع ما في عقولنا أمام الجميع، فـ"العلمانية" أو "الدولة المدنية" أو غيرها من المصطلحات لا تحتاج لكتب بل لحوار وتفكير يمكن أن يشكل "الجدل" الدائر بداية له

هل سيتعبنا البحث من جديد عن فسحة يمكن من خلالها الدخول إلى مسألة الدستور؟ هي مجرد أفكار على مساحة تكسير المواطنة أو حتى عدم القدرة على خلق ثقافة تنهي كل الأرث الذي بقي رغم انزياح الدولة العثمانية، فنحن في النهاية ما نزال نحمل معنا فتاوي الفقهاء وثقافة الحريم، وقسيمات أهل الذمة، وكل أساليب التكفير حتى ولو كانت موضوعة في غلاف من الديمقراطية المستحدثة.

هو دستور سنلتزم به بعد الاستفتاء لكننا سنبقى نحمل معنا الحلم بما هو أقدر على تمثيلنا ورسما في مساحة المستقبل.