في تفاصيل اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب أمس "فورة خليجية" إن صح التعبير، لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى نظرة مختلفة وربما بعيدا عن "الأزمة السورية"، فما يحدث في الدوحة هو "إدارة معركة" تبدو سورية أهم ساحاتها وربما آخرها، وما سيترتب عن "الأزمة السورية" سيحمل تكوينا استراتيجيا سيمس بالدرجة الأولى الخليج، لأن خطوط الجبهات ربما ستتبدل وذلك مع التغيير الذي تريده الدوحة في الساحة الشرق أوسطية.

الأمر المحير اليوم هو في نوعية التوجه الذي تريده قطر أو حتى الرياض، فالخطوات التي يتم اتخاذها من قبلكم تحمل في مؤشراتها إحداث فراغ استراتيجي في سورية، وعملية "إسقاط النظام" دخلت في تحول خاص منذ اللحظة التي تم فيها طرح الأمر على مجلس الأمن، فما تعنيه عملية "الإسقاط" ستشكل تفكيك القوى المنخرطة اليوم داخل الساحة السورية لصالح "بنية" موجود في الخارج، حتى ولو كان لهذه البنية "تكوين ما" داخل سورية، وإذا صح حديث وزير خارجية قطر حول مسألة الاعتراف بـ"المجلس الوطني" فإننا سنكون أمام "خلق سلطة" بديلة لا يملك المجتمع السوري تماسا مباشرا معها، فهي بغالبيتها موجودة خارج سورية منذ ثلاث عقود او أكثر.

"الفراغ الاستراتيجي" المطلوب لا علاقة له بمسألة "إسقاط النظام"، فما سيحدث هو إنهاء التشابك السوري مع المنطقة، فالاحتمالات الواردة هنا تنصب في أمرين اثنين:

تفكيك الجبهة الكلاسيكية بالنسبة لسورية، وهو موضوع لا علاقة له بـ"السلطة السياسية" الحالية، لأنه مكون أساسي للدولة السورية منذ الاستقلال، فهي كانت تبحث دائما عن جبهة داخلية وعمق استراتيجي داعم لها بسبب نوعية الأزمات المحيطة بها، وهو المر الذي حملها للتحالف والوحدة مع مصر أو للتعاون مع إيران ولاحقا تركيا، هذا إضافة لنوعية العلاقة مع روسيا، أو لإنشاء ترابط مع لبنان.

تفكيك هذه الجبهة الكلاسيكية من المفترض أن يدفع القوى الأخرى نحو العمق السوري، ليس بالمعنى العسكري بل بالتأثير السياسي القوي، فهناك انزياح للجبهات، وانكماش لجبهات أخرى وعلى الخص بالنسبة لإيران وتركيا، فوفق الرسم الخاص بتفكيك الجبهة الكلاسيكية سيعني محاولة وضع إيران ضمن حدود خاصة ربما ستشعل جبهة الخليج، فالدور الاستراتيجي لطهران لا يظهر اليوم فقط في مسألة التأثير على المنطقة الحساسة في الخليج التي ما تزال حتى اللحظة شريان للطاقة العالمية، بل هي تستخدم الأوراق الخاصة بها في الموضوع الفلسطيني، وفي حال انحسار الجبهة الإيرانية فهو يعني دفع طهران للتركيز على خط جبهة محتمل في منطقة الخليج.

الاحتمال الثاني ينتقل بنا إلى تكريس الجبهة الكلاسيكية، وهو أمر ربما يتجاوز مسألة "النظام السياسي" كما هو مطروح حاليا في "الطروحات الخليجية"، لأنه ينتقل نحو تأسيس مجال سياسي مختلف تريد روسيا الدخول بقوة عليه وبالتالي إيجاد نقطة ارتكاز مختلفة حتى عما كان سائدا أيام الاتحاد السوفييتي.

ما يمكن أن يحدث وفق السيناريو الخليجي هو إعادة تأسيس أزمة داخل سورية حتى في مجال طرح سورية كمكان للصراع الدولي المرتقب، فهناك خلفية تقف وراء التعامل مع سورية كجغرافية محتملة لحرب لا علاقة لها بكل الحديث الدولي اليوم عن مسألة "الحرب الأهلية" أو حتى "فرض الديمقراطية" عبر المجلس الوطني أو أي "سلطة" مقترحة في السيناريو الفوقي الذي تطرحه الحلول الخليجية بشكل دائم.